الإمام موسى الكاظم عليه السلام، (127 أو 128 – 183هـ)، هو موسى بن جعفر، الملقب بـالكاظم سابع أئمّة الشيعة الإثني عشرية. تصدّى لمنصب الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الصادق سنة 148 هـ، واستمرت إمامته 35 سنة إلى أن استشهد مسموماً في 25 رجب سنة 183 هـ في بغداد.
اقترنت إمامة الإمام الكاظم (ع) مع اقتدار وبطش الدولة العباسية، فكان الإمام يعمل بالتقية تجاههم، ويوصي أصحابه بالالتزام بها، ومن هذا المنطلق لم يذكر للإمام موقف معارض للدولة علانية، ولا موقف مساند للثورات العلويّة آنذاك كثورة فخّ، إلّا أنّه كان يسعى من خلال مناظراته مع العباسيين وغيرهم إزالة الشرعيّة عن حكومتهم، وله مناظرات علميّة مع علماء اليهود والنصارى أتت إجابةً لأسئلتهم. وتمّ جمع ما يزيد عن 3000 من أحاديث الإمام الكاظم (ع) في كتاب مُسند الامام الكاظم، وقد رَوى قسماً منها أصحاب الإجماع.
بادر الإمام (ع) في توسيع مؤسسة الوكالة، فعيّن أشخاصاً في مختلف المناطق كَوُكَلاء عنه وذلك من أجل تسهيل تواصل الشيعة بإمامهم، واقترنت فترة إمامته بتشعّب الفرق الشيعية، حيث نشأت في بداية إمامته الفرقة الإسماعيلية والفطحية والناووسية، كما ظهرت الفرقة الواقفية بعد شهادته.
أشادت مصادر الشيعة وأهل السنة بعلمه وعبادته وبجوده وحلمه، ولُقّب بالكاظم لشدة كظمه الغيض، كما عُرف بالعبد الصالح، واشتهر بباب الحوائج أيضاً، ويحظى الإمام باحترام علماء السنّة باعتبار أنّه عالم وفقيه، ويقصد ضريحه السنّة والشيعة في الكاظمية ببغداد والذي يعرف بالعتبة الكاظمية.
ورد أن لأبي الحسن الكاظم سبعة وثلاثون ولداً بين ذكر وأنثى أشهرهم: الإمام الرضا
، وأحمد بن موسى، ومن أشهر بناته فاطمة المعصومة
.
سيرته الذاتية
هو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب والده الإمام جعفر الصادق
وأمّه أمّ ولد يقال لها حميدة البربرية.
وكان يكنّى أبا إبراهيم وأبا الحسن وأبا علي، ويعرف بالعبد الصالح، وينعت أيضاً بالكاظم. ومن أشهر كناه أبو الحسن الأوّل وأبو الحسن الماضي. ولقّب بالكاظم لكظمه عمّا فعل به الظالمون من التنكيل والإرهاق. ويعرف بين الشيعة بـباب الحوائج.
- الولادة والوفاة
كان مولده بـالأبواء – وقيل في المدينة – في السابع من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة وقيل تسع وعشرين. وقبض (ع) – شهيداً – ببغداد في حبس السندي بن شاهك في الخامس والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وله يومئذٍ خمس وخمسون سنة.
وكان رجلاً مربوعاً أسمر حلو السمرة حسَن الوجه مشرق متلألئ.
وروى الصدوق أنّ نقشَ خاتمه «حَسْبِيَ اللَّه»، وفي رواية أخرى «الملك لله وحده». وقد وصفه الشيخ المفيد بالقول: «كان أبو الحسن موسى أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم كفاً وأكرمهم نفساً».
أزواجه وأولاده
لم تسجل المصادر شيئاً عن عدد أزواجه، ولكن الغالب عليهن كونهن أمّهات أولاد – إماءً – كان يشتريهنّ، ثمّ يعتقهنّ، ويتزوجهنّ. أولاهن السيدة نجمة التي أنجبت له الإمام الرضا .
وقد اختلفت كلمة المؤرخين في عدد أولاده، فمنهم كـالشيخ المفيد أوصلهم إلى سبعة وثلاثين موزعين على ثمانية عشر ولداً ذكراً وتسع عشرة أنثى، هم:
1. علي الرضا
2. إبراهيم
3. عباس
4. قاسم المدفون في مدينة الحلة وسط العراق، لأمّهات أولاد.
5. إسماعيل
6. جعفر
7. حسين المدفون في شيراز
8. هارون المدفون في مدينة ساوة، أمهم أمّ ولد.
9. أحمد المدفون في شيراز
10. محمد المدفون في شيراز
11.حمزة المدفون في الري، أمّهم أمّ ولد.
12. عبد الله المدفون في مدينة اوجان
13. إسحاق المدفون في ساوة
14.عبيد الله
15. زيد
16. الحسن
17. الفضل المدفون في مدينة آوة
18.سليمان المدفون في آوه، أمهم أمّ ولد.
19. فاطمة الكبرى الملقّبة بالمعصومة
20. فاطمة الصغرى
21. رقية
22. حكيمة
23. أم أبيها
24. رقية الصغرى
25. كلثم
26.أمّ جعفر
27. لبابة
28. زينب
29.خديجة
30. علية
31. آمنة
32. حسنة
33. بريهة
34. عائشة
35. أمّ سلمة
36.ميمونة
37.أم كلثوم، أمهاتن أمهات أولاد.
وكان أفضل وأعلم ولد أبي الحسن موسى هو الإمام أبا الحسن علي بن موسى الرضا
إمامته
تصدّى لمنصب الإمامة بعد شهادة أبيه الإمام جعفر الصادق
سنة 148 هـ، فكانت مدّة خلافته ومقامه في الإمامة بعد أبيه
خمساً وثلاثين سنة. ورغم أنّ الإمام الصادق
قد أوصى – لدواع أمنية ولحفظ حياة الإمام الكاظم
– إلى خمسة، هم: أبو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة، إلاّ أنّ تشخيص الإمام
الحق من بين هؤلاء لم يكن بالأمر الصعب على علماء وكبار رجال مذهب أهل البيت
.
دليل إمامته
روى كبار المقربين والمحدثين عن الإمام الصادق تصريحه بإمامة ابنه الكاظم
منهم: مفضل بن عمر الجعفي، معاذ بن كثير، عبد الرحمن بن الحجاج، فيض بن المختار، يعقوب السراج، سليمان بن خالد، صفوان الجمال. ومن تلك الروايات ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق
أنّه قال يوم ولد الإمام الكاظم
: «وهبَ اللهُ لي غُلاماً وهو خيرُ من بَرَأ الله». وفي رواية أخرى عنه
: «وَدِدْتُ أن ليس لي ولدٌ غيرُه حتّى لا يَشرَكَهُ في حُبّي له أحد».
الخلفاء المعاصرون له
عاصر إبّان إمامته أربعة من خلفاء بني العباس، هم:
- المنصور الدوانيقي (136- 158 هجرية)
- المهدي العباسي ( 158- 169 هجرية)
- الهادي العباسي ( 169- 170هجرية)
- هارون الرشيد ( 170- 193 هجرية).
ظهور بعض الفرق الشيعية
ذهبت طائفة من الشيعة في حياة الإمام الصادق إلى القول بأنّ الإمام من بعده ولده إسماعيل باعتباره الولد الأكبر، ولكن لمّا توفي إسماعيل في حياة أبيه أنكروا وفاته في بادئ الأمر، وقالوا: إنّه حي يرزق، ولمّا يئسوا من حياته ذهبوا إلى القول بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل، ومن هنا سمّوا بـالإسماعيلية.
وذهب فريق آخر إلى القول بإمامة عبد الله الافطح ابن الإمام الصادق عرفوا بـالفطحية.
وظهرت فرقة أخرى تسمّى الناووسية؛ وإنما سميت بذلك لأنّ رئيسهم في هذه المقالة رجل من أهل البصرة يقال له عبد الله بن ناووس.
وهناك فريق آخر ذهب إلى القول بإمامة محمد بن جعفر المعروف بـالديباج.
وبعد استشهاد الإمام الكاظم أنكر فريق من الشيعة وفاته، وقالوا: «لم يمت وأنّه مهدي هذه الأمة»، ووقفوا عند الإمام السابع، ولم يؤمنوا بإمامة الرضا
، فعرفوا بـالواقفية. ولاريب أن فكرة المهدوية تعد من أساسيات الفكر الإمامي وأنّ الشيعة يؤمنون بها منذ نشأة التشيع التي تعود إلى عصر النبي الأكرم
، حيث طفحت كلماته
وكلمات سائر الأئمة بالتبشير بالمهدي الموعود من أهل البيت (ع) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
الثورات الشيعية المعاصرة للإمام
عاصر الإمام من الثورات الشيعية ثورة فخّ التي تعتبر من أشدّ الحوادث التاريخية إيلاماً في تاريخ التشيع، وكانت بقيادة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي
المعروف بـصاحب فخّ، سنة 169 هـ ضد الهادي العباسي في منطقة فخّ القريبة من مكة المكرمة. وروى الكليني: «إنّه لمَّا خرج الحسين بن عليٍّ المقتولُ بفخٍّ جاء إلى الإمام
، فَقال له أَبو الحسن موسى بن جعفر حين ودَّعهُ: يا ابن عمِّ إنَّك مقتولٌ فأَجِدَّ الضِّرابَ فإنَّ القوم فُسَّاقٌ يُظهرونَ إِيماناً ويستُرونَ شركاً وإِنَّا للّهِ وإِنَّا إِليه راجعون أَحتسِبُكُمْ عند الله مِن عُصْبَة».
اعتقال الإمام وإيداعه السجن
اختلفت كلمة المؤرخين في السبب وراء اعتقال الإمام وإيداعه السجن إلاّ أنّها متفقة على مكانة الإمام
ومنزلته في الوسط الشيعي وكثرة الوشاة عليه.
الوشاية بالإمام
عمد البعض من أعداء الإمام الكاظم (ع) إلى السعي بالإمام (ع) والوشاية به عند هارون ليتزلّفوا إليه بذلك. من هؤلاء مَن أبلغ هارون بأن الإمام تجبى له الأموال الطائلة من شتّى الأقطار الإسلامية فأثار ذلك كوامن الحقد عند هارون. وفريق آخر من هؤلاء سعوا بالإمام
إلى هارون، فقالوا له: «إن الإمام
يطالب بـالخلافة، ويكتب إلى سائر الأقطار الإسلامية يدعوهم إلى نفسه، ويحفّزهم ضد الدولة العباسية»، وكان في طليعة هؤلاء الوشاة يحيى البرمكي – وقيل بعض أبناء أخوة الإمام
، فأثار هؤلاء كوامن الحقد على الإمام
.
ومن الأسباب التي زادت في حقد هارون على الإمام وسبّبت في اعتقاله احتجاجه
عليه بأنّه أولى بـالنبي العظيم
من جميع المسلمين، فهو أحد أسباطه ووريثه، وأنّه أحقّ بالخلافة من غيره وقد جرى احتجاجه
معه في مرقد النبي
.
وقد اعتقل الإمام مرتين لم نعرف عن تاريخ الأولى منهما والمدة التي قضاها
في السجن شيئاً، فيما وقعت الثانية سنة 179 هجرية وانتهت بشهادة الإمام
في السجن سنة 183هجرية، حيث استدعى هارون الرشيد الإمام سنة 179 هـ من المدينة، وأمر بالتوجه به إلى البصرة التي وصلها في السابع من ذي الحجة، فأودعوه في سجن عيسى بن جعفر، وبعد فترة انتقلوا به إلى سجن الفضل بن الربيع في بغداد ومنه إلى سجن الفضل بن يحيى وسجن السندي بن شاهك الذي كانت نهاية الإمام
فيه.
كيفية شهادته
استشهد الإمام في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 183 هـ في بغداد في سجن السندي بن شاهك الذي أمر بوضع جنازة الإمام
على الجسر ببغداد ونودي عليه – تمويها على قتله – هذا إمام الرافضة فاعرفوه، فإنّه موسى بن جعفر
وقد مات حتف أنفه، ألا فانظروا إليه. فحفّ به الناس، وجعلوا ينظرون إليه.
ذهب مشهور المؤرخين إلى أنّه أستشهد مسموماً في حبس هارون على يد يحيى بن خالد أو السندي بن شاهك .
مرقده وثواب زيارته
يوم تشييع الإمام موسى يوم أغر لم تر مثله بغداد في أيامها يوم مشهود حيث هرعت الجماهير من جميع الشرائح إلى تشييع ريحانة رسول الله
، فقد خرج لتشييع جثمانه الطاهر جمهور المسلمين على اختلاف طبقاتهم يتقرّبون إلى الله جل جلاله بحمل جثمان سبط النبي
، وسارت المواكب متجهة إلى محلة باب التبن إلى المقر الأخير، وقد أحاطت الجماهير الحزينة بالجثمان المقدس وهي تتسابق على حمله للتبرك به، فحفر له قبر في مقابر قريش، وأنزله سليمان بن أبي جعفر في مقره الأخير، وبعد فراغه من مراسيم الدفن، أقبل إليه الناس تعزّيه وتواسيه بالمصاب الأليم. ومن ذلك الحين حتى يومنا هذا واصلت الشيعة وغيرهم من المسلمين التوافد على زيارته والتبرك بمرقده الشريفة لما انتهى لهم من عظيم مكانته، وحثّ الأئمة المعصومين (ع) على زيارته، كالمروي عن الإمام الرضا
: «من زار قبرَ أبي ببغداد كمن زار قبرَ رسول الله
وقبرَ أمير المؤمنين
إلاّ أنّ لرسول الله ولأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلَهما».
وفي رواية أخرى: «زيارة قبر أبيالحسن كزيارة قبر الحسين
».
كلام الخطيب البغدادي
روى الخطيب البغدادي عن الحسن بن إبراهيم أبي علي الخلال يقول: «ما همَّني أمرٌ فقصَدتُ قبرَ موسى بنِ جعفرٍ، فتوسّلتُ به إلّا سهّل اللهُ تعالى لي ما اُحبّ».
أصحابه والرواة عنه
سجّلت الكتب الحديثية والرجالية أسماء الكثير من أصحابه والراوين عنه ، حتى قال الشيخ المفيد: «أكثر الناس في الرواية عنه، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله، وأحسنهم صوتاً بتلاوة القرآن». فيما أوصل الشيخ الطوسي عدد الرواة عنه إلى 272 راوياً.، منهم:
- حماد بن عيسى
- علي بن يقطين
- هشام بن الحكم
- أبو الصلت بن صالح الهروي
- صفوان بن مهران
- صفوان بن يحيى
- محمد بن أبي عمير الأزدي
- أبان بن عثمان
- المفضل بن عمر.