السيدة زينب بنت علي عليها السلام، أبوها أمير المؤمنين عليه السلام، وأمّها فاطمة الزهراءعليها السلام. بحسب بعض الروايات إنّ جدّها رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم سمّاها زينب، وذكر أنها كانت تعلّم النساء تفسير القرآن وذلك في فترة خلافة أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة. شاركت أخاها الحسينعليه السلام في واقعة الطف، وكان لها دور بارز في أحداثها، وقد سيقت هي وسائر الأرامل والأيتام بعد العاشر من المحرم سبايا إلى الكوفة حيث ألقت خطبتها الشهيرة هناك، ومن ثم سيقت إلى الشام، فألقت خطبة أخرى في الشام أيضاً، وبحسب المحللين كان لخطبتها دورٌ كبير في بقاء الثّورة الحسينيّة وتحقّق أهدافها وفضح السلطة الأموية. وقد لُقّبت بأم المصائب لما رأت من مصائب في حياتها.
توفّيت سنة 62 للهجرة، ودفنت في مدينة دمشق. وهناك رأيان آخران: أحدهما أنها توفّيت في القاهرة، ودفنت هناك سنة 64 للهجرة. والآخر يرى أنها دُفنت في مقبرة البقيع بالمدينة.
هي زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه السلام، أمّها السيدة فاطمة الزهراءعليها السلام.
وفي معنى كلمة زينب أقوال، أهمها: اسم شجر حَسَنُ المَنْظَر، طَيِّبُ الرائحة. وقد ورد أيضا أن أصلها زين أب.
ورد في بعض المصادر المعاصرة أنه لمّا ولدت جاءت بها أمّها الزهراءعليها السلام إلى أمير المؤمنينعليه السلام، وقالت له: سمّ هذه المولودة، فقال ما كنت لأسبق رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم وكان في سفر له، ولمّا جاء النبيصلی الله عليه وآله وسلم سأله أمير المؤمنين أن یسمّیها، فقال: ما كنت لأسبق ربّي، فهبط جبرائيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل، وقال له: سمّ هذه المولودة (زينب)؛ فقد اختار الله لها هذا الاسم.
ألقابها
لقّبت السيدة زينبعليها السلام بعدّة ألقاب تكشف عن عظيم شخصيتها، منها: عقيلة بني هاشم، والعالمة غير المعلَّمة، والعارفة، والموثّقة، والفاضلة، والكاملة، وعابدة آل علي، والمعصومة الصغرى، وأمينة اللّه، ونائبة الزهراء، ونائبة الحسين، وعقيلة النساء، وشريكة الشهداء، والبليغة، والفصيحة، وشريكة الحسين وأم المصائب.
وتكنّى بأم كلثوم.
ولادتها ووفاتها
ولدت السيدة زينبعليها السلام في المدينة المنورة في 5 جمادى الأولى، سنة 5 أو 6 من الهجرة النبوية، وتوفيت (ع) يوم الأحد 15 رجب سنة 62 هـ، وفي خبر آخر يوم 14 رجب.
زوجها وأولادها
لمّا بَلَغت السيدة زينب الكبرىعليها السلام مَبلَغ النساء، خطَبَها ـ فيمَن خطَبَها ـ ابنُ عمّها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وكان الإمام أمير المؤمنينعليه السلام يَرغَبُ أن يزوّج بناته من أبناء عُمومتهنّ أولاد عقيل وأولاد جعفر، ولعلّ السبب في ذلك هو كلام رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم ـ حينَ نظر إلى أولاد الإمام عليعليه السلام وأولاد جعفر بن أبي طالب ـ فقال: «بَناتُنا لبَنينا، وبَنونا لبَناتنا». وحصلت الموافقة على الزواج.
وأنجبت زينبعليها السلام علياً، وعوناً، وعباساً، ومحمداً، وبنتاً اسمها أمّ كلثوم.
خصالها، فضائلها ومناقبها
علمها
يشهد بعلم زينب وبتبحرها في آيات القرآن الكريم خطبها وكلماتها في الكوفة وفي مجلس عبيد الله بن زياد وفي قصر يزيد بن معاوية في الشام، مضافاً إلى الأحاديث التي روتها عن أبيها أمير المؤمنين عليه السلام وأمّها فاطمة الزهراء (ع). وكانت (عليها السلام) تعقد مجالس التفسير وبيان معاني القرآن للنساء في الكوفة إبّان حكم أبيها.
روى عنها الحديث كل من عبدالله بن عباس، ومحمد بن عمرو، وعطاء بن السائب وفاطمة بنت الحسين وغيرهم. وروت هي عن المعصومين (ع) وفي موضوعات مختلفة منها: منزلة ومكانة الشيعة ومحبي آل محمد، قضية فدك، حقوق الجار، البعثة وغيرها.
عبادتها
كانت تقضي عامّة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن، فكانت زينب من عابدات نساء المسلمين ولقبت بعابدة آل محمد، فلم تترك نافلة من النوافل الیومیة إلّا أتت بها، ويقول بعض الرواة: إنها صلّت النوافل في أقسى ليلة وأمرّها وهي ليلة الحادي عشر من محرم. وقالت فاطمة بنت الحسين (ع) وأمّا عمتي زينب فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة في محرابها، تستغيث إلى ربها، فما هدأت لنا عين، ولا سكنت لنا رنّة.
عفافها
وردت فی بعض المصادر التي تعرضت لحياة السيدة زينب عليها السلام نماذج من عفافها وحجابها، فكانت إذا أرادت الخروج لزيارة قبر جدّها رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم خرج معها أبوها الإمام أمير المؤمنين (ع) وأخواها الحسنان، الحسن (عليه السلام) عن يمينها والحسين (عليه السلام) عن شمالها، ويبادر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى إخماد ضوء القناديل التي على المرقد المعظّم، فسأله الإمام الحسن عليه السلام عن ذلك، فقال له: «أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك الحوراء».
وحدّث يحيى المازني قال: «كنت في جوار أمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة مدّة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً».
صبرها واستقامتها
كانت عليه السلام المثال الأوحد في الصبر والاستقامة، قابلت ما عانته من الكوارث المذهلة والخطوب السود بصبر يذهل كل كائن حي، حتى أنها حينما وقفت على جسد أخيها الحسين عليه السلام في تلك الظروف العصيبة والمواقف المؤلمة بسطت يديها تحت بدنه المقدس، ورفعته نحو السماء، وقالت: «إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان». وصمدت السيدة زينب (ع) أمام تلك العاصفة الهوجاء والمصيبة الكبرى رغم مظلوميتها وغربتها فكانت حقاً «الراضية بالقدر والقضاء».
وكان لها الدور البارز في نجاة الإمام السجّاد عليه السلام وتخليصه من الموت المحدق به في أكثر من مرّة، منها: لمّا هجم عسكر الكوفة على الإمام زين العابدين (ع)، وكان مريضاً قد أنهكته العلة، فأراد شمر بن ذي الجوشن قتله، إلاّ أنّ العقيلة سارعت نحوه، فتعلّقت به، وقالت: لا يقتل حتى اُقتل دونه.
وحينما ردّ الإمام السجّاد عليه السلام على ابن زياد في مجلسه استشاط غضباً، وقال: «ولك جرأة على جوابي وفيك بقية للرد عليّ؟! اذهبوا به، فاضربوا عنقه».
فتعلقت به زينب عليها السلام، وقالت: «يا بن زياد! حسبك من دمائنا». واعتنقته، وقالت: «والله لا أفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه».
فصاحتها وبلاغتها
بلغت السيدة زينب عليها السلام الذروة في الفصاحة والبلاغة، حتى وصف البعض ممن سمعها تخطب في الكوفة مدى الأثر البالغ الذي أحدثته العقيلة في خطابها، حينما قال: «لم أر – والله – خفرة أنطق منها، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (ع)». وكانت فصاحتها وبلاغتها في مجلس عبيد الله في الكوفة ومجلس يزيد في الشام كفصاحة أبيها أمير المؤمنين (ع) وبلاغة أمّها في خطبتها الفدكية.
وقال من شهد خطبتها ومدى تأثر الناس بها: «فو الله لقد رأيت الناس- يومئذ- حَيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى اخضلّت لحيته، وهو يقول: بأبي أنتم وأمي!! كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى».
زينب (ع) في واقعة عاشوراء
شاركت السيدة زينب أخاها الحسين(ع) في حركته، وحضرت في واقعة عاشوراء، وبعد استشهاد الإمام الحسين وأصحابه سبيت مع سائر الأسرى، وسيق إلى الشام.
في ليلة عاشوراء
روى الشيخ المفيد عن الإمام السجاد(ع): إني لَجالسٌ في تلكَ العشيّة التي قُتِلَ أبي في صبيحتِها، وعندي عمّتي زينب تمرّضني، إِذِ اعتزلَ أبي في خباءٍ له.. يقولُ :
يَادَهرُ أُفٍّ لَكَ مِن خَليلٍ كَم لكَ بالإشراقِ والأصِيلِ
مِن صاحِبٍ أو طالِبٍ قَتيلِ والدَّهرُ لا يَقنَعُ بالبَديل
وانّما الأمرُ إلى الجَليلِ وكلُّ حَيٍّ سالِكٌ سَبيلِي
… وأمّا عمّتي فإنهّا سَمِعَتْ ماسَمِعْتُ وهيَ امرأةٌ ومن شاْنِ النساءِ الرّقّةُ والجَزعُ، فلم تَملِكْ نفسَها أنْ وَثَبَتْ تجرُّ ثوبَها وأنّها لَحاسرة، حتّى انتهت إِليه فقالت: وا ثكلاه! ليتَ الموتَ أعدمَني الحياةَ، اليومَ ماتَت أُمّي فاطمة وأبي عليّ وأخي الحسن، يا خليفةَ الماضِي وثِمالَ الباقي. فنظرَ إِليها الحسينُ فقالَ لها: يا أُخيَّةُ لا يذهبَنََ حلمَكِ الشّيطانُ، وتَرَقرَقَت عيناه بالدموع وقال: لو تُرِكَ القَطَا لَنامَ، فقالتْ : يا ويلتاه! أفتُغتصبُ نفسُكَ اغتصاباً؟! فذاكَ أقرَحُ لِقَلبي وأشدَّ على نفسي. ثمّ لطمتْ وجهَها وهَوَت إلى جيبِها، فشقّته وخرّت مغشيّاً عليها.
فقام إِليها الحسين، فصبّ على وجهها الماء، وقال لها: يا أُختاه! اتّقي الله، وتعَزَّي بعزاءِ اللّه،… ثمّ جاءَ بها حتّى أجلسَها عنديّ.
في يوم عاشوراء
في عصر العاشر من المحرم أمر شمر بن ذي الجوشن أن یرموا الحسین(ع)، فرشقوه بالسهام، فخرجت زینب (ع) من باب الخيمة نحو الميدان، ثم وجّهت كلامها إلى عمر بن سعد، وقالت: «يا بن سعد! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟!» فلم يجبها عمر بشيء.
ولما انتهت إلى جسد أخيها المضرّج بالدماء بسطت يديها تحت بدنه المقدس، ورفعته نحو السماء، وقالت: «إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان». وروي أنها جلست بالقرب من جسد أخيها توجهت نحو المدينة المنورة، وندبت قائلة: «وا محمّداه! بَناتُكَ سَبايا وذرّيتُك مُقَتّلة، تَسفي عليهم رِيحُ الصّبا، وهذا حسينٌ محزوزُ الرأسِ مِن القَفا، مَسلوبُ العمامةِ والرِّداء…». فأبكت كلّ عدو وصديق.
السيدة زينب (س) في الكوفة
لما وضعت الحرب أوزارها سيق من بقي من النساء والأطفال والعيال أسارى إلى الكوفة وهم في حالة يرزى لها، وما إن وصلوا إلى الكوفة حتى خطبت السيدة زينب عليها السلام في أهل الكوفة خطبة عظيمة وصفها بشير بن خُزيم الأسدي بقوله: «ونظرت إلى زينب بنت علي (ع) يومئذ، ولم أر خفرة – والله – أنطق منها كأنها تفرع من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس».، ثم قالت: «الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة…».
قال بشير: «فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، وضج الناس بالبكاء والنوح، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤسهن، وخمشن وجوههن، وضربن خدودهن، ودعون بالويل والثبور، وبكى الرجال، ونتفوا لحاهم، فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم».
فلما خشي ابن زياد وقوع الثورة وانقلاب الناس عليه أمر بإدخال السبايا إلى قصر الإمارة.
فأدخلت السيدة زينب عليها السلام وسائر الأسرى إلى دار الإمارة إلا أنها (ع) لم تسكت، بل واجهت ابن زياد وهو في مجلس بكلام أدحض حجته وبيّن سفه رأيه.
وكان لكلام كل من السيدة زينب عليها السلام والامام السجّاد عليه السلام وأمّ كلثوم وفاطمة بنت الحسين في الكوفة وفي دار الإمارة، بالإضافة إلى اعتراض كل من عبد الله بن عفيف الأزدي وزيد بن أرقم، الأثر الكبير في تغيير الرأي العام وندم الكوفيين على ما اقترفوه مما جعلهم يفكرون في الثأر للشهداء والانتقام من قتلتهم، وبهذا تشكلت النواة الأولى للمعارضة، وتمهدت الأرضية لثورة المختار والالتفاف حول حركته.
مع قافلة الأسارى إلى الشام
سارع عبيد الله بن زياد بالكتابة إلى يزيد بن معاوية في الشام يعلمه بمصرع الإمام الشهيد (ع) ووصول سباياه ورؤوس القتلى إلى الكوفة، فأجابه يزيد بالإسراع في إيفاد الأسرى من السبايا مع الرؤوس إليه، فبادر ابن زياد بإرسال ركب الأسرى والسبايا والرؤوس إلى الشام.
فبعث الرؤوس مع زجر بن قيس، وأرسل السبايا أثر الرؤوس مع مخفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن.
وكان معاوية قد رسّخ جذور الحكم الأموي في الشام، وكانت الأمور متسقة أمام يزيد بن معاوية بسبب الماكنة الإعلامية القوية التي سخّرها آل أبي سفيان لتضليل الجماهير وإظهار الأمويين بمظهر الوريث الشرعي للنبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم, فكان الوضع السياسي والأمني مطمئنا لا يشوبه ما يكدر حياة يزيد السياسية؛ وقد وصف الصحابي سهل بن سعد الساعدي حالة الفرح والإبتهاج في الوسط الشامي قبيل قدوم السبايا بقوله: «خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام، فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار، كثيرة الأشجار، قد علقوا الستور والحجب والديباج وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول…».
ولكن سرعان ما انقلبت الأمور على عقب بمجرد دخول ركب السبايا إلى الشام وسماعهم خطب الإمام السجّاد عليه السلام وخطبة عمّته زينب (ع) التي فضحت البيت الأموي، وبينت عظم الجريمة التي اقترفها الأموييون من جهة، وخففت من غلواء العداء الشامي لأهل البيت (عليهم السلام) وحولته إلى حالة من الحبّ والتعاطف معهم. في تلك الأجواء عقد يزيد بن معاوية مجلساً لم يعقد من قبله حضره الرؤساء والحكام والقادة و…. وتحت تأثير نشوة الانتصار نطق بكلمة الشرك والكفر.
وجيء برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يديه في طشت وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده. مظهراً ما كتمه من عداء وبغض لرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم والرسالة المحمدية، وأخذ یتمثل بقول ابن الزبعري المشرك و زاد علیها أبیات أخر:
ليــت أشيـــاخي بـبدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلــــوا، واستهلــــوا فـــــــــرحا ثم قالـــوا: يا يــــزيد لا تشــــــــل
لـــــــــــعبت هــاشم بالـــملك فلا خبـــر جـــــاء ولا وحـــي نـــــــزل
وبينما هو يكرر تلك الأبيات منتشياً قامت زينب خطيبة، فاستهلت كلمتها بالحمد لله والصلاة على النبي (ص)، ثم تابعت خطبتها موبخة يزيد على السياسات التي اتخذها في حكمه بحق أهل البيت (ع) ومن المضايقات التي عملها، مشيرة إلى بطره وتبختره. كما أشارت تعنته وغلظته وطغيانه وكفره، وتتابع أن هذا نتيجة الأحقاد والأضغان الكامنة والمتبيقية من غزوة بدر ومعارك صدر الإسلام. ثم حذرته مما ارتكب بهتك حرمات بحق «سيد شباب أهل الجنة»، وجميع ذلك بعين الله، وقالت ليزيد سيحل عليك سخط الله، ويخاصمك رسول الله (ص)، حتى تتمنى أن أمك لم تلدك.
خاطبت السيدة زينب عليها السلام يزيد بن معاوية، قائلة: فكِد كَيدَك، وَاسعَ سَعيَك، وناصِب جُهدَك، فَوَاللهِ! لا تَمحُو ذكرَنا، ولا تُميتُ وَحيَنا، ولا تُدرِكُ أَمَدَنا، ولا تَرحَضُ عَنكَ عارُها.
ولما رأى يزيد أن الجريمة التي اقترفها بقتل الحسين عليه السلام قد انكشفت، وبان ما كان قد تستر عليه، وأن خطب السيدة زينب عليها السلام وسائر عائلة الإمام الحسين عليه السلام كشفت زيف التعتيم الذي مارسه، أخذ بالتنصل عن الجريمة وإلقاء تبعة ذلك على عبيد الله بن زياد.
ثم إن يزيد أمر بأن تقام للسبايا والأسرى دار تتصل بداره، فزارهم نساء من آل أبي سفيان منهن هند زوج يزيد بن معاوية، فأقمن النياحة على الحسين عليه السلام.
وبعد ثلاثة أيام أمر يزيد بإرجاع الأسرى إلى المدينة.
قبرها
ذكرت ثلاثة أقوال حول قبرها ومدفنها:
الشام: المشهور أن قبر السيدة زينب (ع) يقع في جنوب العاصمة السورية دمشق حيث سميت المنطقة التي دفنت فيها بـ “الزينبية”.
مصر: أورد بعض المؤرخين أن قبر زينب (ع) في القاهرة وتحديدا في منطقة السيدة الزينب حيث تم إعادة بناها لعدة مرات، فهذه البقعة معروفة بمقام السيدة زينب أو مسجد السيدة زينب وهو مزار يقصده المصريون وسائر المسلمين.
مقبرة البقيع: هناك من المؤرخين يعتقد أن قبرها في مقبرة البقيع بالمدينة، ومن مؤيدي هذا الرأي هو السيد محسن الأمين.
مسجد قباء؛ هو أول مسجد بني في الإسلام، وقد تم تشيّده على يد النبي الأكرم (ص) والذي فيه نزلت الآيات (107- 110) من سورة التوبة.
موقعه
يقع مسجد قباء في قرية على مشارف المدينة المنورة تحمل نفس الاسم، وبعد أن توسّعت المدينة وتمدد البناء فيها انضم إليها المسجد والقرية فهو من معالم المدينة اليوم. وقيل في وجه التسمية إنّما سمّي قباء باسم القرية التي شُيّد فيها، وقيل أصله اسم بئرٍ هناك عُرفت القرية بها.
الطبيعة الجغرافية والبيئية لمنطقة قباء
قباء قرية على ميلين من المدينة = ستة كيلومترات، على يسار القاصد إلى مكة، مربّعة الشكل تبلغ مساحتها 1225 كيلومترا مربعا، بها أثر بنيان كثير وهي ذات فضاء حسن وطبيعة خلّابة وآبار كثيرة، تعدّ المصدر المائي للمدينة ولكثرة مياهها وطيب هوائها انتشرت فيها الأشجار والبساتين بكثرة.
وصول النبي الأكرم (ص) إلى قباء وتشييد المسجد
بعدما خرج النبي (ص) من مكة، مهاجرا إلی يثرب، دخل قرية قباء يوم الاثنين المصادف للثاني عشر أو الرابع عشر من شهر ربيع الأول، فشيّد خلال إقامته هناك مسجداً بمساعدة سائر المسلمين حيث وضع (ص) الحجر الأوّل له، وقيل إنّ ذلك تم بطلب من المسلمين أنفسهم وهناك من قال إنه تم بطلب من عمار بن ياسر خاصة.
فضل مسجد قباء
وردت في فضل مسجد قباء الكثير من الروايات نشير إلى بعضها:
- روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: «صلاة في مسجد قباء كعمرة».
- وروى ابن النجار في تاريخ المدينة عن سهل بن حنيف عن النبي (ص) أنّه قال: «من توضأ فأسبغ الوضوء وجاء مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان له أجر عمرة».
- ورى صاحب الطبقات ما يدل على الأهمية التي كان النبي (ص) يوليها لمسجد قباء عندما قال: «كان رسول الله (ص) يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا». وفي رواية أخرى عن ابن عمر قال: «لقد رأيت رسول الله (ص) يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا».
إعادة عمارة المسجد
قيل إنّ أوّل عمارة وتوسعة للمسجد حصلت في خلافة عثمان بن عفان.
إلا أنّ أبا البقاء المكي الحنفي نقل عن الحافظ محب الدين قوله: «ولم يزل مسجد قباء على ما بناه رسول الله (ص ) إلى أن بناه عمر بن عبد العزيز حين بنى مسجد رسول الله (ص) ووسّعه، ونقشه بالفسيفساء وسقفه بالساج وعمل له منارة، وجعل له أروقة وفي وسطه رحبة».
ولما تهدم حتى جدده جمال الدين الأصبهاني وزير بني زنكي في سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
ثم توالت العمارة عليه في القرنين الثامن والتاسع الهجريين فاحدثت فيه تغييرات جديدة. وكذلك تم توسعة المسجد وإعادة عمارته في العصر العثماني وخاصة إبّان الحكم السعودي.
ويوجد في المسجد مجموعة من الأروقة ذات القبائب الخاصة.
مسجد قباء في القرآن الكريم
قال تعالى:لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ. |
ذهب أكثر المفسرين إلى القول بأنّ الآيات 107 الى 110 من سورة التوبة نزلت في مسجدي ضرار الذي بناه المنافقون ومسجد قباء الذي بناه النبي الاكرم (ص). محذّرة من الصلاة في الأوّل وحاثة على الصلاة في الثاني بوصفه بني على التقوى: ومما يكشف عن مكانة مسجد قباء ومنزلته في الفكر الاسلامي والذي من خصائصه أن «فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ».
عام الفيل، يشير إلي حادثة هجوم جيش حاكم اليمن أبرهة (أبرهة الأشرم) على الكعبة الشريفة من جانب مملكة أكسوم الحبشية؛ ليجبر أهل مكة وقريش على الذهاب إلى كنيسة القليس التي بناها، وزيّنها في اليمن، لكن أهل مكة لم يهتموا بها، بل وصل الأمر بأحدهم أن أهانها ودخلها ليلاً ليقضي حاجته فيها، مما أغضب أبرهة الحبشي، وعلى أشهر الأقوال أن النبي (ص) ولد في هذه السنة.
وجه التسمية وقضية أبرهة وعبد المطلب
خرج أبرهة بجيش عظيم ومعه فِيَلَة كبيرة تتقدم الجيش لتدمير الكعبة، وعندما اقترب من مكة المكرمة، وجد قطيعاً من النوق لعبد المطلب سيد قريش فأخذها غصباً. فخرج عبد المطلب، جدّ الرسول محمد طالباً منه أن يرد له نوقه ويترك الكعبة وشأنها، فردّ أبرهة نوق عبد المطلب، لكنه رفض الرجوع عن مكة. أما أهل مكة فخرجوا هاربين إلى الجبال المحيطة بالكعبة خوفاً من أبرهة وجنوده والفِيَلَة التي هجم بواستطها.
عندما ذهب عبد المطلب ليسترد نوقه سأله أبرهة لماذا لا تدافع عن الكعبة فأجابه: “أما النوق فأنا ربها، وأما الكعبة فلها ربّ يحميها “. وعندما رفض أبرهة طلب عبد المطلب أبت الفيلة التقدم نحو مكة، وأرسل الله سبحانه وتعالى طيوراً أبابيل تحمل معها حجارة من سجيل، فقتلتهم وشتتت أشلائهم.
واشتهر أن في ذلك العام كان مولد رسول الله (ص) الذي يصادف عام 570 ميلادية، كما يعتقد البعض أن عام الفيل كان بين 568 و569 ميلادية. ووجه تسمية العام بعام الفيل كان لأجل الهجوم بواسطة الفيلة على الكعبة.
سورة الفيل
وقد ذكر الله تعالى هذه الحادثة في سورة من القرآن الكريم وهي سورة الفيل قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)﴾
أهمية عام الفيل
جعل العرب هذه الواقعة كمبدء لتاريخهم وسميهم بعام الفيل. ولم يكن النبي انذاك مولودا وولد بعد شهرين وسبعة عشر يوماً، ولهذا السبب عدّوا السنة الأولى من حياته ضمن عام الفيل.
سبب الغارة
نقل أن أبرهة بعد التسلط على اليمن بني كنيسة في منطقة صنعاء باسم قليس وكتب في رسالة إلى حاكم الحبشة: أنني بنيت كنيسة لم أرى قبل اليوم مثيلا لها. وسوف آتي بزوار الكعبة إليها بعد الإنهاء من عملها.
بعد نشر مضمون هذه الرسالة بين العرب قام رجل من بني فقيم بتلويث الكنيسة بالقذارات. جعل أبرهة هذا الأمر ذريعة لتخريب الكعبة ثم هيأ جيشا كبيرا مع 14 فيلا.
المقاومة ضد أبرهة
قاوم أبرهة شخصان من كبار اليمن باسم ذو نفر ونفيل بن حبيب خثعمي لكنهما انهزما وأسرهما الأبرهة.
رسالة لعبد المطلب
أرسل أبرهة رسالة إلى عبد المطلب رئيس قريش، قائلا فيها «جئت لهدم الكعبة فحسب وما أتيت حتّى أقتل شخصاً».
ثم ذهب عبدالمطلب لزيارة أبرهة وطلب منه أن يرجع 200 إبل. تعجب أبرهة من مقاله وقال له: «مع كل هذه العظمة التي كنا نعرف منك كيف طلبت منّي هذا الطلب البسيط؟ وقد رأيتني قاصدا هدم الكعبة التي تقدسها أنت وابائك!».
فأجابه عبدالمطلب: انا ربّ الابل وللبيت ربّ يمنعه. فقال أبرهة متبخترا: «ليس هناك أحد يمنعني عن الوصول إلى هدفي.» ثم أمر بإرجاع نياقه.
خروج قريش من مكة
حينما أخذ عبد المطلب الإبل رجع إلى قريش وأخبرهم بنية أبرهة، وأنه يُريد الهجوم على الكعبة، فأمرهم أن يخرجوا من مكة ويلجئوا إلى الجبل. فجمع عبد المطلب وُلده و من معه، ثمّ جاء إلى باب الكعبة، فتعلّق به وقال: ”يـا ربّ انّ العبد يمنع رحْلَهُ فامنع رحالك، لا يغلبـنَّ صليبهـم ومحالهم أبـدا محـالك“.
هجوم أبابيل على جيش أبرهة
إثر تحرك جيش الأبرهة باتجاه الكعبة، أرسل الله تعالى طيراً من السماء باسم أبابيل وهي تحمل حصاة من منقارها لتهلك أعداء البيت. وبعد «عام الفيل» حظيت قريش بمنزلة كريمة عند العرب. ذكر فخر الرازى عن عكرمة عن ابن عباس وسعيد بن جبير: «لما ارسل الله الحجارة على أصحاب الفيل لم يقع حجر على أحد منهم إلا نفط جلده وثار به الجدرى » هناك نقل اخر من ابن عباس حول ما وقع بعد إصابتهم بالحصاة… «فما بقى أحد منهم إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك انسان منهم جلده إلا تساقط لحمه». فجعلت ترميهم بها حتى جدرت أجسادهم فقتلهم بها وما كان قبل ذلك رؤى شيىء من الجدرى، ولارؤا ذلك من الطير قبل ذلك اليوم ولا بعده.
الإمام علي الهادي عليه السلام، (212 – 254 هـ) هو علي بن محمد بن علي بن موسى، عاشرُ أئمة الشيعة الإمامية والمعروف بالنقي والهادي، وقد امتدت إمامته 34 عاماً منذ وفاة أبيه الجواد (ع) سنة 220 هجرية حتى رحيله سنة 254 هجرية. قضى أكثر سنوات إمامته في مدينة سامراء، وكان ذلك بأمر من المتوكل العباسي.
سجّلت المصادر الحديثية الكثير من الأحاديث المروية عنه في مجال تفسير القرآن والفقه والأخلاق بالإضافة إلى الزيارة الجامعة التي تحتوي مضامين عقدية، وتلقي الأضواء على قيمة الإمام ومكانته في الفكر الشيعي.
كانت علاقة الإمام الهادي (ع) بـشيعته عبر وكلائه في مؤسسة الوكالة. ومن أصحابه عبد العظيم الحسني، وعثمان بن سعيد، وإبراهيم بن مهزيار.
ومرقد الإمام الهادي مع ابنه الإمام العسكري (ع) في سامراء ویُعرف بـحرم العسكريين، وقد تعرض سنة 2006 و2007 م لعمليتين تخريبيتين قامت بها مجموعات تكفيرية أدّت إلى تدمير القبة والمنائر بالكامل، ولكن بعد ذلك تمّ بناء المرقد من جديد.
هويته الشخصية
نسبه وكنيته وألقابه
والده الإمام محمد الجواد تاسع أئمة الشيعة، وأمّه أمّ ولد يقال لها سمانة المغربية أو سوسن.
يلقب هو وابنه الحسن بـالعسكريين، وإنّما لقّبا بذلك لفرض السلطة العباسية الإقامة الجبرية عليهما في سامراء التي كانت يومها معسكراً للجند.
ومن ألقابه التي تعبّر عن مُحيّاه الكريم وسيرته الزكيّة؛ النجيب والمرتضى والهادي والنقي والعالم والفقيه والأمين والمؤتمن والطيب والمتوكل. يكنى بأبي الحسن الثالث، وأبي الحسن الأخير تمييزاً له عن الإمام الكاظم المكنى بأبي الحسن الأوّل وعن الإمام الرضا
المكنى بأبي الحسن الثاني.
وكان نقش خاتمه: «الله ربّي وهو عصمتي من خلقه».
ولادته وشهادته
ولد الإمام حسب رواية كل من الكليني والشيخ المفيد والشيخ الطوسي وابن الأثير بـصُريا – قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر
– على ثلاثة أميال من المدينة، في 15 ذي الحجة سنة 212 هـ.
وتوفى – كما نقل الشيخ المفيد وغيره – بسرّ من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومأتين، وله يومئذ إحدى وأربعون سنة وأشهر، وكانت مدة إقامته في سامراء عشرين سنة وتسعة أشهر. وحدّدت بعض المصادر الثالث من شهر رجب تاريخاً لشهادته . وهناك من أثبتها في الخامس والعشرين أو السادس والعشرين من جمادى الثانية. وكانت شهادته في عصر الخليفة العباسي الثالث عشر المعتز العباسي.
زوجاته وأولاده
نقل في بعض التواريخ: أنّه كانت له سرية لا غير، يعني أمّ ولد يقال لها سليل النوبية والتي أنجبت له الإمام الحسن العسكري .
وذهب أكثر العلماء أنّه أعقب أربعة من الذكور، واختلفوا في الإناث، فذهب الخصيبي إلى أنّ أبناء الإمام هم: الإمام الحسن العسكري
محمد، الحسين، جعفر وهو المعروف بـالكذاب والمدعي الإمامة بعد أبيه.
وقال الشيخ المفيد: وخلف – الإمام الهادي – من الولد أبا محمد الحسن ابنه وهو الإمام من بعده والحسين ومحمداً وجعفراً وابنته عائشة. وأضاف لهم ابن شهر آشوب بنتاً أخرى يقال لها عليّة. والملاحظ من القرائن والشواهد المستفادة من كلمات مؤرخي أهل السنة أنّ له
ابنة واحدة مختلف في اسمها، فقيل: حكيمة، وقيل: علية، وقيل: عائشة. وقال الطبري: إن له ابنتين هما: عائشة ودلالة.
إمامته
تسنم الإمام الهادي منصب الإمامة بعد شهادة أبيه الجواد
سنة 220 هجرية، وقد أجمع كبار الشيعة على إمامته
، وقد أشار الشيخ المفيد إلى ذلك بقوله: كان الإمام بعد أبي جعفر
ابنه أبا الحسن علي بن محمد لاجتماع خصال الإمامة فيه وتكامل فضله وأنّه لا وارث لمقام أبيه سواه وثبوت النص عليه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة.
وقد ذهب البعض إلى إمامة أخيه موسى بن محمد المعروف بموسى المبرقع المتوفى 296 هـ، لكن سرعان ما عادوا للقول بإمامة الهادي . وقد علّل سعد بن عبد الله عودة هؤلاء إلى القول بإمامة الهادي لتنفر موسى المبرقع – نفسه – من هؤلاء القوم وطرده لهم.
دليل إمامته
ذهب الشيخ الطبرسي وابن شهر آشوب إلى القول بأن إجماع الشيعة على إمامته خير دليل كاشف عن صدق إمامته. يضاف إلى الكثير من النصوص التي رواها الكليني وغيره الدالة على إمامته، منها: أنّه لمّا أمر المعتصم العباسي باستدعاء الإمام الجواد عليه السلام من المدينة إلى بغداد وشعر الإمام بالخطر المحدق به جراء هذا الاستدعاء جعل الأمر إلى ولده الهادي ، بل كتب وثيقة صرح فيها بإمامة الهادي
لإيصاد الباب أمام جميع محاولات التشكيك والريبة في إمامته.
الخلفاء المعاصرون له
عاصر الإمام الهادي إبّان إمامته عدداً من خلفاء بني العباس، هم:
- المعتصم العباسي بن هارون الرشيد (218-227).
- الواثق، ابن المعتصم (227- 232).
- المتوكل، ابن المعتصم (232- 248).
- المنتصر، ابن المتوكل (ستة أشهر).
- المستعين، ابن عم المنتصر (248- 252).
- المعتز، الابن الثاني للمتوكل (252- 255).
وكانت شهادة الإمام مسموماً في آخر ملك المعتز، ودفن في داره بسر من رأى.
موقف المتوكل منه
كانت السياسة المعتمدة في البلاط العباسي قبل تولي المتوكل لسدة الحكم قائمة على تأييد المعتزلة ودعم رجالاتها وهي عين السياسة التي اعتمدها المأمون العباسي من قبلُ في مقابل التضييق على أهل الحديث، مما وفّر الأرضية المناسبة لتحرك العلويين سياسياً، إلاّ أنّ تسنم المتوكل لمسند الخلافة قلب الأمور على عقب، وعادت السطحية في التفكير والتضييق على المفكرين والمبدعين مرة أخرى حيث قرب المتوكل إليه أهل الحديث، وأقصى الاتجاه المعاكس لهم المتمثل بالمعتزلة والشيعة مع التضييق عليهم بشدة.
وقد أشار أبو الفرج الأصفهاني إلى موقف المتوكل هذا ووزيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان بقوله: وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم مهتماً بأمورهم شديد الغيظ والحقد عليهم، وسوء الظن والتهمة لهم، واتفق له ان عبيد الله ابن يحيى بن خاقان وزيره يسيء الرأى فيهم، فحسّن له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله، وكان من ذلك أن كرب قبر الحسين وعفى أثاره، ووضع على سائر الطرق مسالح له، لا يجدون أحداً زاره إلاّ أتوه به فقتله أو أنهكه عقوبة. وما ذلك إلاّ للمنزلة الكبيرة التي حظي بها مرقد الإمام الحسين
في قلوب المؤمنين حتى أنّه يمثل الرمز العاطفي للربط بين الشيعة وأئمتهم (ع).
استدعاؤه إلى سامراء
سار المتوكل على نهج من سبقوه في التعامل مع أئمة أهل البيت (ع)، بل زاد على ذلك باستدعائه الإمام الهادي إلى دار الخلافة في سامراء وعزله عن أوساط الأمة، إنطلاقاً من التقارير التي وصلت إليه من قبل الوشاة والتي تحكي عن ميل الناس إليه
.
ولمّا بلغ أبا الحسن سعاية عبد الله بن محمد به، كتب إلى المتوكل يذكر تحامل الرجل عليه ويكذّبه فيما سعى به. فتقدم المتوكل بإجابته عن كتابه – بمكر تام – ودعائه فيه إلى حضور العسكر على جميل من الفعل والقول – مدعياً – أنّه عارف بقدر الإمام
وراع لقرابته… «وإن أمير المؤمنين مشتاق إليك يحب إحداث العهد بك والنظر إليك». وقد ذكر كلٌ من الشيخ الكليني والشيخ المفيد نص رسالة المتوكل للإمام
.
علماً أنّ المتوكل بذل قصارى جهده في استدعاء الإمام بطريقة لا تثير مشاعر أتباعه وردّة فعل الجماهير وتأمين طريق وصوله إلى سامراء، إلاّ أنّ أهداف حركة المتوكل لم تكن خافية على أهل المدينة منذ بداياتها.
فقد نقل ابن الجوزي عن يحيى بن هرثمة – الذي تولّى جلب الإمام إلى سامراء – قوله: «وعندما أرسلني المتوكل إلى المدينة لإشخاص الإمام الهادي
إلى سامراء، ودخلت المدينة، ضج أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على الإمام
»، وأضاف يحيى: «وقامت الدنيا على ساق؛ لأنّه كان محسناً إليهم ملازماً».
وتعرض الخطيب البغدادي (المتوفى سنة 463 هـ) لإشخاص المتوكل له بالقول: «أشخصه جعفر المتوكل من مدينة رسول الله
إلى بغداد، ثمّ إلى سامراء، فقدمها، وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر إلى أن توفي، ودفن بها في أيام المعتز العباسي.
الإقامة في سامراء
وما أن دخل الإمام سامراء حتى وضع رحله في دار خزيمة بن حازم. وحسب رواية الشيخ المفيد: «إنّه لما وصل الإمام
إلى سامراء تقدم المتوكل بأن يحجب عنه في يومه، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك، وأقام فيه يومه، ثم تقدّم المتوكل بإفراد دار له، فانتقل إليها». وعن صالح بن سعيد– أحد أصحاب الإمام
– إنّما قام المتوكل بإنزال الإمام
هذا الخان الأشنع خان الصعاليك إطفاءً لنوره والتقصير به
، أي: تحقيره والتقليل من شأنه.
وأقام أبو الحسن بـسر من رأى أكثر من عشرين سنة، وكان – كما ذكر الشيخ المفيد – مكرماً في ظاهر حاله يجتهد المتوكل في إيقاع حيله به، فلا يتمكن من ذلك. وقد تمكن الإمام
طيلة وجوده في سامراء من النفوذ إلى قلوب الناس وانتزاع إعجاب كبار العلماء والمؤرخين من مسلمين وغيرهم على اختلاف نزعاتهم ونحلهم وميولهم من عبارات التقدير والإكبار لشخصه الكريم وشخصيته الفذة، والتي تمثل بعض صفاته الرفيعة وسجاياه الحميدة، وتفوّقه على سائر المعاصرين له، فلم ير مثله في عبادته وتهجده وطاعته لربه بالإضافة إلى زهده وتقواه، وحسن سيرته، وسلوكه القويم، ورسوخ اليقين في نفسه، وعلمه الجم وحكمته، وفصاحته وبلاغته.
نماذج من حركات المتوكل ضد الإمام
إنّ المتوكل وإنْ حاول التظاهر بإكرام الإمام وتبجيله إلاّ أنّه بذل قصارى جهده للتقليل من مكانة الإمام
والحطّ من منزلته بطريقة خفية في الأوساط العلمية والاجتماعية مظهراً للناس أنّه أحد رجال القصر والخادمين للسلطان، وأنّه لا يختلف عن غيره من هذه الحيثية.
وكان في الوقت نفسه يشدّد الرقابة على الإمام ، فقد نقل سبط ابن الجوزي عن المسعودي في كتاب مروج الذهب قال: نمي إلى المتوكل بعلي بن محمد
أنّ في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنّه عازم على الوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهاجموا داره ليلاً، فلم يجدوا فيها شيئاً، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصى، وهو متوّجه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن. وعلى هذه الحال حمل إلى المتوكل العباسي، وأدخل عليه، وكان المتوكل في مجلس شراب، وبيده كأس الخمر، فناول الإمام الهادي
، فردّ الإمام
: «والله ما خامر لحمي ولا دمي قط فأعفني»، فأعفاه. فقال له: «أنشدني شعراً»، فقال الإمام
: «أنا قليل الرواية للشعر». فقال: «لا بد». فأنشده:
باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرســـــــــهم | غُلْبُ الرجال فما أغنتهمُ القُلـــــــــــــــل | |
واستنزلوا بعد عـــــــزّ عن معاقـــــــلهم | فأودعوا حُفَراً، يا بئس ما نزلــــــــــــوا | |
ناداهُم صارخ من بعد ما قبــــــــــــــروا | أين الأسرة والتيجان والحـــــــــــــلل؟ | |
أين الوجوه التي كانت منــــــــــــــــعمة | من دونها تضرب الأستار والكــــــــلل | |
فأفصح القبـــر عنهم حين ساء لهم | تلك الوجوه عليها الدود يقــــــــــــتتل | |
قد طالما أكلوا دهراً وما شــــــــــــربوا | فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا | |
وطالما عمروا دوراً لتحصـــــــــــــــــنهم | ففارقوا الدور والأهلين وانتقلـــــــوا | |
وطالما كنزوا الأموال وادخـــــــــــــروا | فخلّفوها على الأعداء وارتحــــــلوا | |
أضحت مَنازِلُهم قفْراً مُعَطــــــــــــــــــــلة | وساكنوها إلى الأجداث قد رحـلوا |
قال الراوي: «والله لقد بكى المتوكل بكاءً طويلاً حتى بلّت دموعه لحيته!. وبكى من حضره، ثم أمر أن يرفع الشراب، وأمر بإرجاع الإمام إلى داره مكرماً».
عصر المنتصر العباسي
بعد وفاة المتوكل العباسي تولى الحكم ابنه المنتصر ستة أشهر، وهو الذي أحدث الانقلاب على أبيه المتوكل بالاشتراك مع قواد جيشه فقطعوه إربا إربا مع وزرائه وندمائه وحاشيته وهم على مائدة الشراب والغناء، وذلك سنة 248 ه. وبمجيئ المنتصر خفّ الضغط على الإمام خاصة والعلويين عامة في سامراء وأحسن إليهم، حيث كان المنتصر يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادة مذهبه طعناً عليه ونصرة لفعله، وإن بقي موقف بعض الوزراء والأمراء خارج سامراء على حالة من الضغط على الشيعة ومحاربتهم.
وكان لهذا التخفيف ورفع القيود النسبية عن حركة الإمام دور في إعادة تنظيم واقع الشيعة في سائر البلدان، فكان الإمام
يتدخل بسرعة لتنصيب البديل عن الوكيل الذي يعتقل أو يمنع من التحرك في الوسط الشيعي.
دوره في نشر المعارف الإسلامية
القرآن في مدرسة الإمام الهادي
كان للحركة الانحرافية التي قام بها الغلاة من الشيعة الدور المهم في إثارة شبهة تحريف القرآن وتوجيه أصابع الاتهام للشيعة من قبل أتباع سائر الفرق الإسلامية بأنهم لا يهتمون بشأن القرآن الكريم، ويؤمنون بتحريفه وعدم حجيته؛ ومن هنا انبرى الإمام الهادي لتفنيد هذه الشبهة وبيان مكانة القرآن في الفكر المدرسة الإمامية، وأنّ القرآن الكريم هو المصدر الأول للمسلمين والحجة في جميع التشريعات والمواقف التي يعتمدها الشيعة، وأنّ الروايات المخالفة للقرآن الكريم تعدّ من زخرف القول الذي يضرب به عرض الجدار.
وقد بيّن الإمام ذلك مفصلاّ في الرواية التي نقلها ابن شعبة الحرّاني التي جاء فيها: «اعلموا – رحمكم الله – إنّا نظرنا في الآثار وكثرة ما جاءت به الأخبار فوجدناها عند جميع من ينتحل الإسلام ممن يعقل عن الله عزوجل لا تخلو من معنيين: إمّا حق فيتبع، وإمّا باطل فيجتنب. وقد اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق، وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه، مصيبون، مهتدون… والقرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه: فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقة وأنكر الخبر طائفة من الأمّة لزمهم الإقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب، فإن هي جحدت وأنكرت لزمها الخروج من الملة».
وروى هذا المعنى العياشي في تفسيره عن الإمامين الباقر والصادق (ع)، قالا: «لا تُصَدِّقْ علينا إِلا بما يوافق كتابَ اللَّه وسُنَّةَ نبيه ».
الإمام الهادي ومسألة خلق القرآن
من المسائل الرهيبة التي ابتلي بها المسلمون في حياتهم الدينية، وامتحنوا بها كأشد ما يكون الامتحان هي مسألة خلق القرآن، فقد ابتدعها الحكم العباسي في بدايات القرن الثالث الهجري، وأثاروها للقضاء على خصومهم، وقد قتل خلق كثيرون من جرائها، وانتشرت الأحقاد والأضغان بين المسلمين.
ومن هنا حذّر الإمام شيعته من النزول إلى تلك المعركة التي ضلّ فيها الجدليّون ضلالاً كبيراً، فلم يشترك الشيعة في ذلك النزاع حول صنع الله عزّ وجلّ وحول كلامه الكريم، وبيّن لهم الموقف في رسالته التي جاء فيها: «عصمنا الله وإياك من الفتنة، فإن يفعل فأعظم بها نعمة، وإن لا يفعل فهي الهلكة، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل والمجيب، فيتعاطى السائل ما ليس له، ويتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلا الله عز وجل، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين». وبهذا وضع
النقاط على الحروف في هذه المسألة الحساسة وجنّب شيعته الوقوع في فتنة كبيرة وفخّ خطير كادت دماؤهم أن تراق بسببه.
كلام الله
كان للمواقف التي يتخذها بعض علماء الشيعة وطوائفهم – بسبب تباعد مواطنهم وعدم وجود قنوات اتصال سريعة بينهم – الدور الكبير في تعقيد عمل الأئمة (ع) في بيان الحقيقة وهداية الناس، يضاف إلى ذلك ما يقوم به خصوم الشيعة من المبالغة في ذلك وتشطير الفرق الشيعية بطريقة غريبة جداً حتى عدوا منها – كما يقول الكشي – الزرارية والعمّارية واليعفورية و… ناسبين ذلك إلى كبار أصحاب الإمام الصادق : زرارة بن أعين، وعمّار الساباطي وابن أبي يعفور.
وقد يواجه الأئمة (ع) – أحياناً- بعض الأسئلة الناشئة من ذلك الاختلاف في المواقف والرؤى في الوسط الشيعي، منها قضية التشبية والتنزيه، حيث يظهر من كلام هشام بن الحكم وهشام بن سالم اختلافهما في هذه القضية الحساسة، ومن هنا تصدى الأئمة لمعالجة هذه القضية التي روي فيها أكثر من عشرين رواية، بين رواية مختصرة ومفصّلة تؤكد كلّها على تبنّي فكرة التنزيه والدفاع عنها من قبل الأئمة (ع)، ومن بينها ما روي عن الإمام الهادي في تأكيد التنزيه.
ومن جملة المسائل الهامة التي ثار الجدل حولها – أيضاً – في ذلك العصر، وكثر الأخذ والردّ مسألة الجبر والتفويض التي أدّت إلى انقسام المسلمين انقساماً كان ذا خطرٍ دخل في صميم العقيدة، إذ نسبت فئة منهم، وقوع الذنب من العبد، إلى الله – والعياذ بالله من ذلك – محتجّة بأنّ الذنب يقع بعلمه تعالى وتقديره، وبإقدار العبد على ذلك بما خلق له من آلاتٍ يباشر الذنب بواسطتها، وبأنّ العبد لا اختيار له في تجنّب الذنب؛ لأنّه محمول عليه قد كتبه الله تعالى وقضى به عليه!. ثم أنكرت فئة أخرى ذلك، وقالت بأنّ للعبد أن يختار، وهو الذي يرتكب الذنب بتمام إرادته، وبكامل اختياره، وبواسطة الآلات الّتي منحه الله تعالى إيّاها لطاعته لا لمعصيته.
وقد تكلّم إمامنا في هذا الموضوع الهامّ كما تكلّم آباؤه جميعاً – وجدّاه الصادق والرّضا(ع) بالخصوص- لئلاّ يقع شيعته في فخّ الكفر وزخرف القول. ثم تكلّم
في الجبر والاختيار كلاماً بليغاً يقطع كلّ جدلٍ ونقاش، مبيّناً رفضه للجبر والتفويض معاً وموضحاً أن هناك حالة وسطية هي الأمثل وهي: «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين».
علماً أنّ أكثر الروايات الاحتجاجية الواردة عن الإمام الهادي منصبة على مسألة الجبر والتفويض.
ثقافة الدعاء والزيارة
اعتمد الإمام الهادي الدعاء والزيارة كطريقة للتثقيف على معارف الدين والتربية وفق معارف المدرسة الإمامية حيث ضمن تلك الأدعية التي تمثل الانفتاح على الله تعالى والتوسل إليه مجموعة من الأفكار والمضامين العقائدية والسياسية والاجتماعية مما كان له الأثر الكبير في حياة الشيعة الإمامية على جميع المستويات.
زيارة الجامعة الكبيرة
هذه الزيارة من أشهر زيارات الأئمة الطاهرين (ع) وأعلاها شأناً وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً، فقد حظيت بأهمية خاصة بين الأدعية والزيارات المأثورة عن أئمة الهدى (ع)، وقد أقبل أتباع أهل البيت (ع) وشيعتهم على حفظها وزيارة الأئمة (ع) بها؛ لأنها تشتمل على كلام فريد يزخر بالمعارف الإلهية السامية، ويبيّن حقيقة الإمام الذي يمثل الحجّة التامة للحق على جميع العالمين، والجامع لكل الخير والمحاسن، والنموذج الكامل للإنسان، وقد جاء كل ذلك في أرقى مراتب البلاغة والفصاحة.
تعامله مع الشيعة
اعتمد الإمام الهادي وكلاءه الموزعين على المناطق التي يقطنها أتباع مدرسة أهل البيت (ع) وخاصة في ايران، وسيلة للتواصل معهم ومواجهة الغلاة أينما كانوا.
نظام الوكلاء في زمن الإمام الهادي
رغم التشديد والحصار الذي فرض على الشيعة في آخريات عصر الأئمة (ع) والمتثمل بموقف خلفاء بني العباس من أتباع مدرسة أهل البيت (ع)، عمل الإمام الهادي على اتّخاذ الوكلاء وتأسيس شبكة الممثلين له في شتى البلدان التي يقطنها الشيعة كإيران ومصر واليمن والعراق، حيث عمد إلى اتخاذ وكلاء يوثّقهم ويمدحهم ليكونوا الواسطة بينه وبين الشيعة في التواصل المعرفي ومعالجة المعضلات الكلامية والفقهية والتفسيرية و… بالإضافة إلى استلام الحقوق الشرعية وإيصالها إلى الإمام
، وربط الشيعة بالإمام الفعلي وتوجيههم إلى الإمام اللاحق عند رحيل السابق.
وقد قسّم الوكلاء -حسب ما ذكره الدكتور جاسم حسين- المناطق الآهلة بأكثر عدد من أتباع أهل البيت (ع) إلی أربع مناطق:
- بغداد، المدائن، السواد والكوفة
- البصرة والأهواز
- مدينتا قم وهمدان
- الحجاز، اليمن، ومصر
وكان الوكلاء يتواصلون مع الإمام عن طريق المكاتبات بواسطة الثقات من الشيعة.
ومن هؤلاء الوكلاء: علي بن جعفر الهماني كان وكيلا للإمام الهادي ، وكان رجلا من أهل همينيا، قرية من قرى سواد بغداد، فسعي به إلى المتوكل، فحبسه فطال حبسه، ولما أخلى المتوكل سبيله، صار إلى مكة بأمر أبي الحسن
مجاورا بها إلى آخر أيام حياته.
ومنهم حسين بن عبد ربّه وفي رواية ولده علي بن حسين بن عبد ربّه، ولما توفي كتب الإمام إلى مواليه يعلمهم بأنّه أقام أبا علي بن راشد مقام الحسين بن عبد ربّه ومن كان قبله من وكلائه.
ويحتمل من رواية الكشي حول إسماعيل بن إسحاق النيشابوي أن أحمد بن إسحاق الرازي هو الآخر كان من وكلاء الإمام الهادي .
الإمام الهادي والشيعة في ايران
كان العنصر الكوفي هو الغالب على الشيعة في القرن الأوّل، وهذا ما تكشف عنه كثرة الملقبين بالكوفي من أصحاب الأئمة (ع)، ثمّ بدأ يظهر لقب القمي في أوساط الرواة وأصحاب الأئمة (ع) وخاصة منذ عصر الإمامين الباقر والصادق (ع)، ويرجع الكثير منهم إلى العرب الأشعرية الذين هاجروا إلى مدينة قم. ورويداً رويداً أخذ انتشار التشيع في الوسط الايراني عامّة والقمّي خاصة يزداد حتى تحولت قم في عهد الإمام الهادي إلى مركز رئيسي من مراكز التشيع التي تربطها بالأئمة علاقات وثيقة، وكان الطابع العام للتشيع القمّي الاعتدال والوسطية في النظرة إلى الأئمة خلافاً للمدرسة الكوفية التي انتشر فيها الغلو.
ولم ينحصر التشيع في مدينة قم، بل تعدّاه إلى كل من مدينة آبة (أو آوة) وكاشان، وقد تكرّر ذكر محمد بن علي الكاشاني في الكثير من الروايات المنقولة عنه والأسئلة التي يوجهها إلى الإمام الهادي حول التوحيد ومسائله.
وكانت علاقة القمّيين قوية مع الإمام الهادي ، فكان محمد بن داود القمي ومحمد الطلحي يحملان ما اجتمع من أخماس ونذر وهدايا وجواهر اجتمعت في قم وبلادها لإرسالها إلى أبي الحسن الهادي
.
وكان الإمام الهادي يستغفر لإهل قم وآوة لزيارتهم الإمام الرضا
، كما روى ذلك السيد عبد العظيم بن عبد الله الحسني حين قال: «سمعت عليّ بن محمّد العسكري
يقول: أهل قم وأهل آبة مغفور لهم لزيارتهم لجدّي عليّ بن موسى الرضا
بطوس.
وكان لغير القميين من الشيعة – مع كونهم الأقلية بسبب السياسات الأموية والعباسية – علاقات وثيقة وأواصر قوية مع أئمة أهل البيت (ع).
وقد صَنَّف صالح أبو مقاتل الدَيْلَميُّ من أصحاب الإمام الهادي كتاباً في الإمامة كبيراً، حديثاً وكلاماً، وسمّاه كتابَ الإحتجاج.(مسند الإمام الهادي عليه السلام، ص 317 .) والديلم منطقة تقع إلى الشرق من جيلان الإيرانية، وكانت قد احتضنت في أواخر القرن الثاني الهجري الكثير من الشيعة الإمامية بالإضافة إلى من هاجر من سكّانها إلى العراق، واعتنق المذهب الإمامي هناك.
وقد كشفت ألقاب أصحاب الإمام الهادي عن مناطق سكناهم من قبيل: بشر بن بشار النيشابوري وفتح بن يزيد الجرجاني وأحمد بن إسحاق الرازي وحسين بن سعيد الأهوازي وحمدان بن إسحاق الخراساني وعلي بن إبراهیم الطالقاني، وقد تحولت كل من مدينتي جرجان ونيسابور إلى مراكز شيعية فاعلة في القرن الرابع الهجري.
وهناك شواهد تدل على وجود عدد من أصحاب الإمام الهادي في مدينة قزوين الواقعة وسط ايران.
ورغم غلبة الطابع الحنبلي المتعصب على مدينة أصفهان الإيرانية إلا أنّها لم تخل من الرجال الشيعة كإبراهيم بن شيبة الأصفهاني الكاشاني القاطن في أصفهان وعلي بن محمد الأصفهاني القاطن في كاشان، وقد أدرجهما الرجاليون ضمن أصحاب الإمام الهادي . ومنهم رجل يقال له عبد الرّحمن مال إلى التشيع بعد كرامة شاهدها على يد الإمام الهادي
في سامراء.
وهناك روايات تشير إلى وصول بعض الهمدانيين إلى نيل الوكالة من الإمام الهادي .
موقف الإمام الهادي من الغلاة
اتخذ الأئمة الأطهار وشيعتهم مواقف صريحة من الغلو والغلاة. وكان للإمام الهادي موقف صارم منهم لانتشارهم في عصره، ومن الغلاة المعاصرين للإمام الهادي:
علي بن حسكة وتلامذته القاسم الشعراني اليقطيني، والقاسم بن يقطين، والحسن بن محمد بن باب القمي، وفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني، ومحمد بن نصير الفهري النميري، ومحمد بن موسى الشريفي.
وممن لعنهم الإمام الهادي محمد بن نصير النميري وفارس بن حاتم القزويني، كما وأظهر براءته من ابن بابا القمي وغيره الذين ادعوا أن الإمام الهادي
هو الربّ الخالق للكون، وأنّه بعث ابن حسكة ومحمد بن نصير الفهري وابن بابا وغيرهم أنبياء يدعون الناس إليه، وطالب
بقتلهم.
وكان محمّد بن نصير النميريّ يدّعي أنّه نبيّ بعثه أبو الحسن الهادي ، وكان يقول بـالتّناسخ والغلوّ في أبي الحسن، ويقول فيه بـالربوبيّة، ويقول بالإباحة للمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً. وتعدّ النصيرية من أشهر فرق الغلو التي تنشعب بدورها إلى عدّة فرق مغالية أخرى.
وعلى رأسهم كان عباس بن صدقة وأبو العباس الطرفاني (الطبراني) وأبو عبد لله الكندي المعروف بشاه رئيس.
وقد حذر الإمام الهادي أصحابه وسائر المسلمين من الاتصال بهم.
ومن كبار المغالين في عصر الإمام الهادي أحمد بن محمد السياري الذي ذهب أكثر الرجاليين إلى وصفه بالغلو. ويعد كتابه القراءات من أبرز المصادر التي سطر فيها روايات التحريف.
ومنهم أيضاً حسين بن عبيدالله المحرّر الذي أخرج من مدينة قم لغلوه.
تلامذته وأصحابه
بلغ عدد تلامذته والرواة عنه – حسب ما ذكره الشيخ الطوسي- 185 راوياً، من أبرزهم:
- عبد العظيم الحسني
عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن حسن بن زيد بن حسن بن زيد بن الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب، والمعروف بالسيد الكريم وشاه عبد العظيم، والمكنى بأبي القاسم وأبي الفتح. يعدّ الحسني من السادة الحسنيين ومن كبار المحدثين، وينتهي نسبه إلى الإمام الحسن المجتبى بأربع وسائط. وقد ذكره الشيخ الطوسي ضمن أصحاب الإمامين الهادي والعسكري
وهناك من أدرجه ضمن أصحاب الإمامين الجواد والهادي
. وكان محدثاً، فقيهاً، صوّاماً قوّاماً، زاهداً، جليل القدر، ذا منزلة رفيعة عند الإمامين
. وقد عرض عبد العظيم الحسني أُصول عقيدته وما يدين به على الإمام الهادي
فبارك له الإمام
عقيدته.
رُوي أنّ أبا حماد الرازي قصد الإمام الهادي إلى سامراء مستفتياً، فلما أجابه
أشار عليه بالرجوع إلى عبد العظيم الحسني إن أشكل عليه شيء وهو بـالري.
- عثمان بن سعيد
عثمان بن سعيد العمري؛ يكنى أبا عمرو السمان، ويقال له: الزيات، من أصحاب الإمام الهادي والعسكري ، جليل القدر، ثقة، خدم الإمام الهادي
، وله إحدى عشرة سنة، وله إليه عهد معروف، وتوكل للإمام العسكري
، وكانت توقيعات صاحب الأمر
تخرج على يديه، وكان قد حظي بمنزلة خاصة عند الإمام
واصفاً له بـالثقة الأمين.
- أيوب بن نوح
أيوب بن نوح بن دراج النخعي أبو الحسين، كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمد ، عظيم المنزلة عندهما مأمونا، وكان شديد الورع، كثير العبادة، ثقة في رواياته وكان أيوب من عباد الله الصالحين.
- الحسن بن راشد
عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الجواد قائلاً: الحسن بن راشد يكنى أبا علي، مولى لآل المهلب، بغدادي، ثقة. وعدّه أيضاً من أصحاب الهادي
.
وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام الذين لا يطعن عليهم بشيء ولا طريق لذم واحد منهم. وعدّه الشيخ والبرقي في رجاليهما من أصحاب الهادي ، ويظهر من ترجمة الحسن بن راشد أنّه كان وكيلاً لأبي محمد العسكري
.
- الحسن بن علي الناصر
ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الناصر للحق، من أصحاب الهادي
، كما في رجال الشيخ الطوسي. وهو والد جد السيد المرتضى من جهة أمّه، قال السيد في أول كتابه شرح المسائل الناصريات: «وأمّا أبومحمد الناصر الكبير وهو الحسن بن علي ففضله في علمه، وزهده، وفقهه، أظهر من الشمس الباهرة، وهو الذي نشر الإسلام في الديلم، حتى اهتدوا به من الضلالة، وعدلوا بدعائه بعد الجهالة وسيرته الجميلة أكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى».
شهادته
قبض مسموما بـسر من رأى في يوم الاثنين المصادف الثالث من رجب سنة 254 ه، وقيل: يوم الاثنين الخامس والعشرون من جمادى الآخرة سنة 254 هـ. والتأريخ الأول أشهر، حيث نص عليه أغلب أعلام الطائفة ومحدثيهم ومؤرخيهم. وممن نص على أنّه
مات مسموماً أو نقل القول في ذلك: الشبلنجي وابن الصباغ المالكي والشيخ أبو جعفر الطبري، والشيخ إبراهيم الكفعمي في المصباح وغيرهم، ونص الأخير على أن الذي سمّه هو المعتز. وجاء عن ابن بابويه أنّه
مات مسموماً، وسمّه المعتمد العباسي، وإذا صحّ ذلك فإنّه لا بد أن يكون قد سمّه المعتز بالله؛ لأنّه مات في عهده سنة 254 ه، والمعتمد العباسي بويع بالخلافة سنة 256 هـ في النصف من رجب، أو أن المعتز قد أوعز إلى المعتمد بدسّ السم إلى الإمام
، فيكون ذلك جمعاً بين قول الشيخ الصدوق والشيخ الكفعمي، والله أعلم بحقيقة الحال.
وخرجت الجنازة، وخرج الإمام الحسن العسكري يمشي حتى أخرج بها إلى الشارع الذي إزاء دار موسى بن بغا. وقد كان الإمام أبو محمد العسكري
قد صلّى عليه قبل أن يخرج إلى الناس، ودفن في بيتٍ من دوره.
تفجير ضريح الإمامين العسكريين (ع)
قامت في السنين الأخيرة مجموعة من السلفيين من التكفيريين المتطرفين بالتعرض لضريح العسكريين في أكثر من محاولة، وكان من أبشع تلك الحملات ما قاموا به في صباح يوم الأربعاء 22 فبراير 2006 م من اقتحام للمرقد، وقاموا بزرع عبوات ناسفة تحتوي على 200 كغم من المواد المتفجرة تحت قبة الضريح، وفجّروها بعد ذلك مما أدى إلى انهيار القبة الخاصة بالضريح وتصدّع المنائر الذهبية المحيطة بها. وفي صباح يوم الأربعاء 13 يونيو 2007 م حدثت عملية تفجيرية أخرى استهدفت مأذنتي المرقد الذهبيّتين، ودمرتهما بالكامل، وكان التفجير بواسطة عبوة ناسفة. وفي يوم الخميس 05-06-2014م قامت مجموعة كبيرة من التكفيريين ينتمون إلى تنظيم داعش بشن هجوم واسع النطاق على مدينة سامراء للسيطرة عليها وتدمير الضريح المبارك إلاّ أنّه جوبهوا بمقاومة شديدة من قبل حماية الحرم والقوات الأمنية وجموع المؤمنين المتطوعين وأجبرتهم على التقهقر والخروج من المدينة.
إعادة إعمار الروضة العسكرية
لم يزل غبار الانفجار في السماء حتى بدأ الموالون لـأهل البيت بإعمار الروضة المباركة وتشييدها على أجمل عمارة وزخرفة إسلامية سطرتها أنامل الفنانين المبدعين، وكان لمدينة قم المقدسة شرف تصميم وبناء الضريح الجديد للروضتين العسكريتين
تحت رعاية وإشراف مرجعية آية الله السيد علي السيستاني وبكلفة 100 مليون دولار صرفت في تشييد الضريح وإكساء القبة بما يقارب السبعين كيلوغرام من الذهب و4500 كيلوغرام من الفضية و1100 كيلوغرام من النحاس و11 طن من الخشب الساج الجيد.
لمزيد الاطلاع
انظر:
- حياة الإمام الهادي
للشيخ باقر شريف القرشي.
- عطاردي، عزيز الله، مسند الإمام الهادي
، قم، المؤتمر العالمي للإمام الرضا
،1410 هـ.
- الإمام علي الهادي
، تأليف: حسين الشاكري، الطبعة: الأولى، المطبعة: ستاره، قم المقدسة، 1419 ه.
- الإمام الهادي
قدوة وأسوة، آية الله السيد محمد تقي المدرسي.
- الإمام علي الهادي
مع مروق القصر وقضاة العصر، سيرة، وبحث، وتحليل، بقلم: كامل سليمان.