الرَباب بنت امرئ القيس، زوجة الإمام الحسين
وأم سكينة وعبدالله الرضيع. أدركت واقعة الطف، وسارت مع ركب سبايا كربلاء إلى الشام.
كانت الرباب من خيار النساء أدباً وعقلاً، وقد ورد أنّها توفيت إثر معركة كربلاء، وذلك لما رأته من مصائب مؤلمة من أحداثها، كما لها شعر في واقعة كربلاء أيضاً.
نسبها
هي بنت امرؤ القيس بن عدي التغلبي. أسلم أبوها في خلافة عمر وكان نصرانياً من عرب الشام، وأمها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب.
زواجها من الإمام الحسين (ع)
بعد أن يروي مؤلف الأغاني بسنده قصة إسلام إمرئ القيس وكيف التقى بعلي بن أبي طالب، يذكر بأنه كيف خطب إليه علي بناته له ولولديه الحسنين، فقال قد زوجتك -يا علي- المحياة ابنتي، وزوجتك -يا حسن- سلمى، وزوجتك -يا حسين- الرباب بناتي، فولدت الرباب للحسين سكينة عقيلة قريش وعبد الله الذي قتل يوم الطف.
ويبدو أن الشخص الوحيد الذي روى هذا الحدث يدعى “عوف” واسم أبيه حسب كتاب أنساب الأشراف، حارثة وحسب تاريخ مدينة دمشق والأغاني هو “خارجة”.كما جاء في أنساب الأشراف أنجبت محياة لعلي طفلاً باسم أم يعلى، وأما سلمى فلم تنجب للحسن، وأما الرباب أنجبت سكينة للحسين.ونظراً لإنفراد الناقل لهذه الرواية وما عدَّ المفيد لعلي بن أبي طالب
من أولاد وعدم تطرقه إلى شخصية باسم أم يعلى من ضمن الأولاد، فمن الصعب تقبل رواية الخطوبة والزواج بهذا الأسلوب وفي أول لقاء وفي مجلس واحد، وإنها على الأقل مثيرة لتساؤلات كثيرة، مسكوت عنها في الرواية.
الأولاد
كان للإمام الحسين (ع) ولدان من الرباب، “سكينة” و”عبدالله” الذي استشهد رضيعاً يوم عاشوراء في حجر أبيه.
منزلة الرباب عند الإمام
وقد عرفت الرباب بمكانتها المرموقة عند الحسين
، حتى ورد أبيات من الشعر منسوب للإمام الحسين
في حقها وسكينة:
| لعمرك إني لأحـب داراً | تحلّ بها سكيـنة والرباب | |
| أحبّهما وأبذل جلّ مالي | وليس لعاتب عندي عتاب | |
في واقعة كربلاء
كانت الرباب حاضرة في كربلاء استناداً للقرائن والأدلة الواردة، وأخذت إلى الشام مع بقيّة السبايا. بعدما كانت شاهدة على واقعة كربلاء، وعلى استشهاد طفلها الرضيع عبدالله في حضن أبيه. يقول ابن كثير الدمشقي: أنها كانت مع الإمام الحسين
بكربلاء وعند مقتله فجعت وجزعت له. يقال أن الرباب حضنت رأس الحسين في مجلس ابن زياد، وقبلّته، ثم أنشدت الأبيات التالية:
| واحسيناً فلا نسيت حسيناً | أقصدته أســــنة الأعـــــــــداء | |
| غادروه بكربــــــــــلاء صريـــعاً | لا سقى الله جانبي كربلاء | |
بعد فاجعة كربلاء
هناك روايات تقول أنّها بقيت في كربلاء عند مدفن الحسين
لمدة سنة، ثمّ رجعت إلى المدينة. لكن الشهيد قاضي الطباطبائي يعتقد بأنّ الرباب قد أقامت العزاء على الحسين في المدينة، وليس في كربلاء، ويقول: مما لا يليق بشأن الإمامة أن يسمح لها الامام السجاد
بذلك، أو أن ترضى بالبقاء وحيدة ولمدة سنة في أرض كربلاء، كما لم يؤكد أحد أنها قد بقيت إلى جانب القبر، ولم يفصح ابن الأثير عن اسم شخص قائل بهذا القول.
بحسب ابن الأثير رفضت الرباب – طوال الفترة التي عاشت فيها بعد واقعة الطف – الزواج مرة أخرى بعد أن جاءها خطاب في المدينة من بينهم أشراف وسادة قريش. كانت تقول:ما كنت لأتخذ حماً بعد رسول الله
.
فقد عبرت الرباب عن مشاعرها في قصائد وأبيات نسبت إليها:
| إن الذي كان نوراً يســـــــتضاء به | بكربــــــــــــــلاء قتيل غير مدفون | |
| سبط النبي جزاك الله صالـــــــحة | عنا وجنَبت خســــران الموازين | |
| قد كنت لي جبلاً صعباً ألــــوذ به | فكنت تصــحبنا بالرَحم والدَين | |
| من لليتامى ومن للسائلين ومن | يغني، ويأوى إليه كل مســكين | |
| والله لا أبتغي صهراً بصـــــــهركم | حتى أغيـب بين الرمل والطين | |
ينسب ابن كثير هذا البيت إليها:
| إلى الحول ثمّّ أسم السلام عليكما | ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر | |
سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام، شهدت واقعة الطف وروت أحداثها، وكانت من جملة النساء اللاتي أخذن سبايا إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة، ومن بعدها إلى يزيد بن معاوية في الشام؛ وذلك بعد مقتل الإمام الحسين وأصحابه
. أجمع أكثر المؤرخين على أن وفاتها ومدفنها كان في المدينة ولكن هناك قبر منسوب لها في دمشق.
زواجها
ذكرت الكتب التاريخية أن السيدة سكينة بنت الحسين
تزوّجت عدّة أزواج، واختلف في زواجها الأول، فذهب أغلب المؤرخين إلى أنّ أوّل أزواجها هو ابن عمّها عبدالله بن الحسن بن علي الذي استشهد مع عمه الحسين يوم الطف. وقيل أنّها كانت سمّيت لابن عمّها القاسم بن الحسن بن علي.
أقوال العلماء في حقّها
جاء في كتاب مستدركات علم رجال الحديث أنّها كانت عقيلة قريش، ولها السيرة الجميلة، وهي ذات الفضل والفضيلة والكرم الوافر والعقل الكامل والمكارم الزاخرة والمناقب الفاخرة، وهي سيدة نساء عصرها وأجملهن وأظرفهن وأحسنهن أخلاقاً. وذكر في البداية والنهاية: كانت سكينة بنت الحسين من أحسن النساء حتى كان يضرب بحسنها المثل. وفي الأعلام للزركلي: سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب : نبيلة شاعرة كريمة ، من أجمل النساء وأطيبهن نفساً. كانت سيدة نساء عصرها.
حضورها في كربلاء
حضرت السيدة سكينة واقعة الطف مع أبيها الحسين
وشاهدت مصرعه. وروى ابن طاوس في كتاب الملهوف أنّ سكينة اعتنقت جسد أبيها بعد قتله فاجتمع عدة من الأعراب حتى جروها عنه. وأخذت مع الأسرى والرؤوس إلى الكوفة ثم إلى الشام ثم عادت مع أخيها زين العابدين
إلى المدينة. وكان عمرها يوم الطف خمس عشرة سنة أو اثنين وعشرين سنة.
روايتها للحديث
تعتبر سكينة بنت الحسين في عداد الرواة، الذين دوّنت لهم الكتب الروائية، ومن جملة ما روت عن رسول الله
أنّه قال: حملة القرآن عرفاء أهل الجنة يوم القيامة. وفي إكمال الكمال: أنّ لها أخبار مشهورة وقد روت عن أبيها. وذكرها ابن حبّان في كتابه (الثقات) بأنّها تروي عن أهل بيتها وروى عنها أهل الكوفة.
رواية استقبالها الشعراء
جاء في بعض الكتب التاريخية أن سكينة بنت الحسين
كانت تستقبل الشعراء كجرير، والفرزدق، وكثير، وغيرهم. وكانت تستمع إليهم وهم ينشدون الشعر وتعطيهم العطايا والهدايا، وأنّها أوّل من أسست نادياً للشعراء (آنذاك). وفي الأعلام للزركلي: كانت تجالس الأجلة من قريش، وتجمع إليها الشعراء فيجلسون بحيث تراهم ولا يرونها، وتسمع كلامهم فتفاضل بينهم وتناقشهم وتجيزهم.
رفض جمع من العلماء هذا الأمر منهم السيد الأمين في أعيان الشيعة حيث قال: في بعض الأخبار أنّها كانت تجالس الأجلة من قريش ويجتمع إليها الشعراء وهو باطل، وإنما كان الشعراء يجتمع على بابها فتخرج إليهم بعض جواريها وتسمع أقوالهم وتسمعهم أقوالها بواسطة جواريها وعلى لسانهن.
وقال الشيخ خالد البغدادي: أنّ الزبير بن بكّار [الذي روى هذه الرواية] من الوضّاعين للحديث، ولم يقبل حديثه، ولا يوجد لحديثه في الصحيحين عين ولا أثر. وقال ابن أبي حاتم: رأيته ولم أكتب عنه، واعترف ابن حجر أنّ له أشياء منكرة، وجميع أفراد أُسرته معروفون بانحرافهم عن أهل البيت (عليهم السلام).. ولسوء أهوائه ونصبه الظاهر قرّبه المتوكل العباسي ودرّ عليه المعاش.. فلا عجب من هذا الرجل أن يروي اجتماع الشعراء الماجنين عند سكينة بنت الحسين![]()
وفاتها ومكان قبرها
أجمع المؤرّخون على أنّها توفّيت في 5 ربيع الأول في سنة 117 هـ،، واختلف في مكان قبرها؛ فأكثر المؤرخين على أنّها توفّيت ودفنت في المدينة، وقيل أن قبرها في دمشق في مقبرة (الباب الصغير). يقول السيّد الأمين: أما القبر المنسوب إليها بدمشق في مقبرة الباب الصغير فهو غير صحيح لإجماع أهل التواريخ على أنّها دفنت بالمدينة. وقيل أنّها توفيت بمكة.
غار ثور، الذي يقع في جبل ثور واختبأ به النبي الأكرم
، أثناء هجرته إلى المدينة المنورة في ليلة المبيت، وقد أظهر الله تعالى معجزة عند مدخل الغار بنسج العنكبوت وعشِّ الحمامتين خلفه؛ وذلك حفاظا على نبيّه الكريم
من أذى المشركين الذين تعقّبوا أثره لحد الغار.
جبل ثور
جبل الثور، هو جبل مستدير الشكل نسبياً له عشر قمم مدببة ترتفع من قاعدته، وارتفاعه نحو ميل وفي اعلاه الغار، والبحر يُرى من أعلى هذا الجبل.
وقد استفاضت الروايات بكون الغار المذكور في القرآن الكريم هو غار جبل ثور، وهو على بعد أربعة فراسخ من مكة تقريباً ، جنوب المسجد الحرام، ويعتبر من الجبال المعروفة نظراً لما يتمتع به من مكانة تاريخية، حيث يوجد فيه الغار الذي اختبأ فيه الرسول
.
سُمي باسم ثور بن عبد مناف، لأنه ولد عنده، فقيل جبل ثور، ويسمى أيضاً أطحل. ويقال أيضاً إنه سُمي بهذا الاسم؛ لأنه يشبه ثوراً مستقبلاً الجنوب.
غار ثور
الغار عبارة عن صخرة مجوفة في أعلى الجبل، حيثُ يشمخ الغار في أعلى جبل ثور جنوب مكة في سهل وادي المفجر، ويفصل جبل ثور عن باقي جبال مكة فجّ المفجر والطريق الدائري القادم من الطائف والمشاعر إلى جدة، بجواره حي اسمه حي الهجرة.
خروج النبي (ص) إلى الغار
بعد قرار وعزم قريش على قتل النبي
نزل الأمين جبرئيل ليُطلع النبي
على خطة قريش، وليبلغه حكم الله سبحانه، كما جاء في القرآن الكريم﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يخُرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرْ الْمَاكِرِين﴾ . فقرّر رسول الله
حينئذٍ ترك بيته قبل وصول المشركين متوجهاً إلى يثرب. وقد تلا عند خروجه من البيت آية﴿ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْديهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُون﴾ ليُخفى عن أنظار المشركين الذين كانوا يحاصرون بيته. وغادر مكة باتجاه غار ثور.
النبي (ص) في الغار
جاء ذكر الغار في قوله تعالى:﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾ حيثُ مكث النبي الأعظم
ومعه أبو بكر في الغار ثلاثة أيام يأتيهم بالطعام عامر بن فهيرة وجهزهما علي بن أبي طالب
بشراء ثلاثة أباعر من إبل البحرين واستأجر لهما دليلاً، فلما كان الليل من اليوم الثالث أتاهم علي
بالإبل والدليل، فركبوا وتوجهوا نحو المدينة.
وجاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ أنّ أبي بكر قال: «كنت مع النبي
في الغار، فرأيت آثار المشركين، فقلت: يا رسول الله لو أنّ أحدهم رفع قدمه لأبصرنا تحت قدمه، فقال النبي
: يا ابا بكر ما ظنك باثنين الله تعالى ثالثهما». وفي تفسير قوله تعالى:﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾ أنّ النبي
قال لأبي بكر: لا تحزن خوفاً مما تشاهده من الوحدة والغربة، وفقد الناصر وتظاهر الأعداء وتعقيبهم إيّاي، فإنّ الله سبحانه معنا ينصرني عليهم.
المعجزات الإلهية
عندما دخل النبي
الغار، ولحقت به قريش وركبت في طلبه الصعب والذلول، أمر الله تعالى العنكبوت، فنسجت على باب الغار، وأمر الله حمامتين فباضتا بفم الغار، فلما قربوا قريش منه قال بعضهم: أنّ عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد، ورأى أولهم الحمامتين. وقال رسول الله
: «اللهم أعم أبصارهم»، فجعلوا يترددون حول الغار ولا يرون أحداً.
التبرك بزيارة الغار
بعد أن خلّدت الآيات العطرة في القرآن الكريم العديد من المواقع الأثرية والأماكن التاريخية في أرجاء العالم الإسلامي وأحدها غار ثور، فأصبح معلم بارز في ذاكرة التاريخ الإسلامي، حيث يحكي لنا قصة حماية الرسول الأكرم
من كفار مكة في رحلة الهجرة النبوية. ولهذا فإنّ الحجّاج والعمّار والزوار يصعدون ذلك الجبل؛ للاطلاع على الغار ومشاهدته. وقد خُصص مركز خاصة للتوجيه والإرشاد توزع فيه الكتيبات والمطويات التوعوية والتثقيفية بعدّة لغات في موسم الحج، وشهر رمضان المبارك الذي تشهد فيهما مكة المكرمة كثافة كبيرة من الوفود والزوار.
ثورة التوابين، هي إحدى الثورات الشيعية التي اندلعت بعد استشهاد الإمام الحسين
يوم عاشوراء، حيث انطلقت الثورة لأخذ الثأر من قتلة الإمام الحسين
والشهداء الذين سقطوا معه. وكانت انطلاقة ثورة التوابين سنة 65 للهجرة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي يؤازره في ذلك جمع من المسلمين الموالين لـأهل البيت
. وقد حارب التوابون الجيش الأموي في معركة عين الوردة نسبة إلى المكان الذي دارت به المعركة.
دوافع الثورة
بعد أن وضعت حرب عاشوراء أوزارها وانجلت الغبرة عن استشهاد الإمام الحسين
هو والثلّة المؤمنة التي أوفت ببيعتها ومساندتها له حتى الرمق الأخير، ندم أهل الكوفة من شيعة الإمام علي
وممن كاتبوه طالبين منه القدوم وعارضين عليه أنفسهم جنوداً أوفياء له إن أقدم عليهم، ولكنهم تخاذلوا عن نصرته ولم يؤازروه، أشدَّ الندم على خُذلانهم للإمام، وجعلوا يتلاومون على ما اقترفوه مِن عظيم الإثم، وقد أجمعوا على إقرارهم بالذنب في خُذلانه، ولزوم التكفير عنه بالمُطالبة بثأره ولا خيار لهم إلا الثأر لدماء الشهداء ورأوا أنَّه لا يُغسل عنهم العار والإثم الذي لحق بهم جرّاء تخاذلهم إلاَّ بقتل مَن قَتَلَ الحسين
.
الإعداد للثورة
اجتمع بعد معركة عاشوراء ما يقرب المئة من فرسان الشيعة ووجوههم في بيت سليمان بن صرد الخزاعي وكان شجاعاً بطلاً متعبداً ناسكاً ومن رؤوس الكوفيين. فبدأ سليمان بالكلام فحمد الله وأثنى عليه وقال:
- «أما بعد فقد ابتلينا بطول العمر والتعرض للفتن ونرغب إلى ربنا أن لا يجعلنا ممن يقول له ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ وكنا مغرمين بتزكية أنفسنا ومدح شيعتنا حتى بلى الله خيارنا فوجدنا كذابين في نصر ابن بنت رسول الله
ولا عذر دون أن تقتلوا قاتليه فعسى ربنا أن يعفو عنا».
وروى ابن الأثير وقائع ذلك الاجتماع قائلا: فتكلّم سليمان فقال بعد حمد الله:
- «أمّا بعد فإنّي لخائف ألّا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الّذي نكدت فيه المعيشة وعظمت فيه الرزيّة وشمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة لما هو خير، إنّا كنّا نمدّ أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبيّنا
، نمنّيهم النصر ونحثّهم على القدوم، فلمّا قدموا ونينا وعجزنا وأدهنّا وتربّصنا حتى قتل فينا ولد نبيّنا
وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النّصف فلا يعطى، اتّخذه الفاسقون غرضاً للنّبل ودريئة للرماح حتى أقصدوه، وعدوا عليه فسلبوه. ألا انهضوا، فقد سخط عليكم ربّكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله، والله ما أظنّه راضياً دون أن تناجزوا من قتله، ألا لا تهابوا الموت فما هابه أحد قطّ إلّا ذلّ، وكونوا كبني إسرائيل إذ قال لهم نبيّهم في سورة البقرة الآية 54: ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُم﴾ ففعلوا. فكيف بكم لو دعيتم إلى ما دعوا! أحدّوا السيوف و ركّبوا الأسنّة ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ من قُوَّةٍ وَمن رِباطِ الْخَيْلِ﴾ حتى تدعوا وتستنفروا».
ثم تكلم كل من المسيب بن نجبة الفزاري ورفاعة بن شداد البجلي وعبد الله بن وال التيمي وعبد الله بن سعد الأزدي بما يؤيد مقولة سليمان، ثم اختاروه قائداً للثورة.
يستفاد من كلمات قادة الثورة في مؤتمراتهم واجتماعاتهم التي عقدوها أن الثورة تهدف إلى تحقيق أمرين أساسيين:
- الأول: الثأر لدماء الحسين
والاقتصاص من قاتليه. - الثاني: إعادة الحكم الى آل بيت النبي الأكرم
.
إعداد القوات والمقاتلين
أخذت الاجتماعات تتواصل في كل جمعة، وقال سليمان في إحدى تلك الاجتماعات: من أراد من هذا شيئاً فليأت بماله إلى عبد الله بن وال التيمي تيم بكر بن وائل، فإذا اجتمع عنده كل ما تريدون إخراجه من أموالكم جهزنا به ذوي الخلة والمسكنة من أشياعكم. ثم أخذوا يعملون في الخفاء لإعداد ما فيه الكفاية للثورة.
رسائل سليمان إلى المدائن والبصرة
وبعد أن أعدّوا العدّة كتب سليمان سنة 64 هجرية كتاباً إلى من كان في المدائن من الشيعة من أهل الكوفة وحمله مع عبد الله بن مالك الطائي إلى سعد بن حذيفةبن اليمان يدعوهم إلى أخذ الثأر فلما وقفوا على الكتاب قالوا رأينا مثل رأيهم. وكتب سعد بن حذيفة الجواب بذلك. وكتب سليمان إلى المثنى بن مخرمة العبدي من رؤوساء الشيعة في البصرة كتاباً وبعثه مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد. فكتب المثنى الجواب:
- «أما بعد فقد قرأت كتابك وأقرأته إخوانك فحمدوا رأيك واستجابوا لك فنحن موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت والسلام عليك».
إنطلاقة الثورة
ذكر المؤرخون أنَّ ثورة التوابين انطلقت في مستهل شهر ربيع الأوّل سنة 65 هجرية حيث خرج سليمان بن صرد ليرحل إلى منطقة النخيلة فرأى عسكره فاستقله ولم يرضه العدد الموجود من المقاتلين، فبعث حكيم بن منقذ الكندي والوليد بن حصين الكناني في جماعة وأمرهما بالنداء في الكوفة: «يا لثاراث الحسين» فخرج جمع كثير إلى سليمان وكان معه ستة عشر ألفاً مثبتة في ديوانه، فلم يصل منهم سوى أربعة آلاف حيث تخلف عنه الكثير من الشيعة خصوصاً من المدائنيين والبصريين.
وقيل أن سبب ذلك كون المختار صار يدعو الناس لنفسه ويخذلهم عن سليمان بن صرد وكان يقول لأصحابه أتدرون ما يريد هذا يعني سليمان بن صرد إنما يريد أن يخرج فيقتل نفسه ويقتلكم ليس له بصر بالحروب ولا له علم بها.
زيارة قبر الإمام الحسين
ذكر المؤرخون أن القوم لمّا ساروا في الخامس من ربيع الأوّل نحو دمشق انتهوا إلى قبر الحسين
في كربلاء، فلمّا وصلوا صاحوا صيحة واحدة، فما رؤيَ أكثر باكياً من ذلك اليوم، فترحّموا عليه وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال معه وأقاموا عنده يوماً وليلة يبكون ويتضرّعون ويترحّمون عليه وعلى أصحابه وقال سليمان: «اللَّهمّ إنّا نشهدك أنّا على دين حسين وسبيله وأعداء قاتليهم» وقالوا: «الحمد لله الذي لو شاء أكرمنا بالشهادة مع الحسين اللهم اذ حرمتناها معه فلا تحرمناها فيه بعده».
بدء المعركة
عسكر التوابون قبل الالتقاء بجيش الشام في منطقة عين الوردة وأقاموا هناك خمسة أيام فاستراحوا وأراحوا. وكان سليمان بن صرد خلال تلك الأيام يوضح للمقاتلين أصول المعركة وأبعادها كما أرشدهم إلى القائد من بعده قائلا:
- «إن أنا قتلت فأمير الناس المسيب بن نجبة، فإن قتل فالأمير عبد الله بن سعد بن نفيل، فإن قتل فالأمير عبد الله بن وال، فإن قتل فالأمير رفاعة بن شدّاد، رحم الله امرأً صدق ما عاهد الله عليه». ثم دارت معركة طاحنة بين التوابين وبين جيش الشام في الخامس والعشرين من ذي الحجة.
نتيجة المعركة
استمرت المعركة أربعة أيام استشهد خلالها الكثير من التوابين وحوصر الباقون من قبل العدو واستشهد القادة واحداً تلو الآخر وبقي منهم جماعة قليلة بقيادة رفاعة بن شداد البجلي اضطرت إلى الانسحاب من المعركة وساروا إلى الكوفة. وفي أثناء انسحابهم أقبل سعد بن حذيفة بن اليمان في أهل المدائن يريد نصرتهم وجاء المثنى بن مخربة العبدي في أهل البصرة يريد نصرتهم فبلغهم الخبر بانكسار التوابين فأقاموا حتى أتاهم رفاعة فاستقبلوه، وبكى بعضهم إلى بعض وأقاموا يوماً وليلة ثمّ تفرّقوا، فسار كلّ طائفة إلى بلدهم.
ولما بلغ رفاعة الكوفة كان المختار محبوساً، فأرسل إليه:
- «أمّا بعد فمرحباً بالعصبة الذين عظّم الله لهم الأجر حين انصرفوا ورضي فعلهم حين قتلوا، إنّ سليمان قد قضى ما عليه و توفّاه الله… ثم توعد المختار بالأخذ بثأرهم».
علما أن التوابين- وكما يقول الأستاذ محمد حسين جعفري- وإن فشلت ثورتهم ظاهراً وانهزموا أمام الجيش الأموي حسب المعايير العسكرية إلا أنّهم تمكنوا– ولأوّل مرّة- من خلق كيان متجانس من الشيعة كان له الأثر في ترسيخ تاريخ التشيع انطلاقاً من الشعار الذي رفعوه والتفاعل مع كل من روح الثورة الحسينية وقيم الشهادة الحسينية.











