ثورة التوابين، هي إحدى الثورات الشيعية التي اندلعت بعد استشهاد الإمام الحسين يوم عاشوراء، حيث انطلقت الثورة لأخذ الثأر من قتلة الإمام الحسين
والشهداء الذين سقطوا معه. وكانت انطلاقة ثورة التوابين سنة 65 للهجرة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي يؤازره في ذلك جمع من المسلمين الموالين لـأهل البيت
. وقد حارب التوابون الجيش الأموي في معركة عين الوردة نسبة إلى المكان الذي دارت به المعركة.
دوافع الثورة
بعد أن وضعت حرب عاشوراء أوزارها وانجلت الغبرة عن استشهاد الإمام الحسين هو والثلّة المؤمنة التي أوفت ببيعتها ومساندتها له حتى الرمق الأخير، ندم أهل الكوفة من شيعة الإمام علي
وممن كاتبوه طالبين منه القدوم وعارضين عليه أنفسهم جنوداً أوفياء له إن أقدم عليهم، ولكنهم تخاذلوا عن نصرته ولم يؤازروه، أشدَّ الندم على خُذلانهم للإمام، وجعلوا يتلاومون على ما اقترفوه مِن عظيم الإثم، وقد أجمعوا على إقرارهم بالذنب في خُذلانه، ولزوم التكفير عنه بالمُطالبة بثأره ولا خيار لهم إلا الثأر لدماء الشهداء ورأوا أنَّه لا يُغسل عنهم العار والإثم الذي لحق بهم جرّاء تخاذلهم إلاَّ بقتل مَن قَتَلَ الحسين
.
الإعداد للثورة
اجتمع بعد معركة عاشوراء ما يقرب المئة من فرسان الشيعة ووجوههم في بيت سليمان بن صرد الخزاعي وكان شجاعاً بطلاً متعبداً ناسكاً ومن رؤوس الكوفيين. فبدأ سليمان بالكلام فحمد الله وأثنى عليه وقال:
- «أما بعد فقد ابتلينا بطول العمر والتعرض للفتن ونرغب إلى ربنا أن لا يجعلنا ممن يقول له ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ وكنا مغرمين بتزكية أنفسنا ومدح شيعتنا حتى بلى الله خيارنا فوجدنا كذابين في نصر ابن بنت رسول الله
ولا عذر دون أن تقتلوا قاتليه فعسى ربنا أن يعفو عنا».
وروى ابن الأثير وقائع ذلك الاجتماع قائلا: فتكلّم سليمان فقال بعد حمد الله:
- «أمّا بعد فإنّي لخائف ألّا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الّذي نكدت فيه المعيشة وعظمت فيه الرزيّة وشمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة لما هو خير، إنّا كنّا نمدّ أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبيّنا
، نمنّيهم النصر ونحثّهم على القدوم، فلمّا قدموا ونينا وعجزنا وأدهنّا وتربّصنا حتى قتل فينا ولد نبيّنا
وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النّصف فلا يعطى، اتّخذه الفاسقون غرضاً للنّبل ودريئة للرماح حتى أقصدوه، وعدوا عليه فسلبوه. ألا انهضوا، فقد سخط عليكم ربّكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله، والله ما أظنّه راضياً دون أن تناجزوا من قتله، ألا لا تهابوا الموت فما هابه أحد قطّ إلّا ذلّ، وكونوا كبني إسرائيل إذ قال لهم نبيّهم في سورة البقرة الآية 54: ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُم﴾ ففعلوا. فكيف بكم لو دعيتم إلى ما دعوا! أحدّوا السيوف و ركّبوا الأسنّة ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ من قُوَّةٍ وَمن رِباطِ الْخَيْلِ﴾ حتى تدعوا وتستنفروا».
ثم تكلم كل من المسيب بن نجبة الفزاري ورفاعة بن شداد البجلي وعبد الله بن وال التيمي وعبد الله بن سعد الأزدي بما يؤيد مقولة سليمان، ثم اختاروه قائداً للثورة.
يستفاد من كلمات قادة الثورة في مؤتمراتهم واجتماعاتهم التي عقدوها أن الثورة تهدف إلى تحقيق أمرين أساسيين:
- الأول: الثأر لدماء الحسين
والاقتصاص من قاتليه.
- الثاني: إعادة الحكم الى آل بيت النبي الأكرم
.
إعداد القوات والمقاتلين
أخذت الاجتماعات تتواصل في كل جمعة، وقال سليمان في إحدى تلك الاجتماعات: من أراد من هذا شيئاً فليأت بماله إلى عبد الله بن وال التيمي تيم بكر بن وائل، فإذا اجتمع عنده كل ما تريدون إخراجه من أموالكم جهزنا به ذوي الخلة والمسكنة من أشياعكم. ثم أخذوا يعملون في الخفاء لإعداد ما فيه الكفاية للثورة.
رسائل سليمان إلى المدائن والبصرة
وبعد أن أعدّوا العدّة كتب سليمان سنة 64 هجرية كتاباً إلى من كان في المدائن من الشيعة من أهل الكوفة وحمله مع عبد الله بن مالك الطائي إلى سعد بن حذيفةبن اليمان يدعوهم إلى أخذ الثأر فلما وقفوا على الكتاب قالوا رأينا مثل رأيهم. وكتب سعد بن حذيفة الجواب بذلك. وكتب سليمان إلى المثنى بن مخرمة العبدي من رؤوساء الشيعة في البصرة كتاباً وبعثه مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد. فكتب المثنى الجواب:
- «أما بعد فقد قرأت كتابك وأقرأته إخوانك فحمدوا رأيك واستجابوا لك فنحن موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت والسلام عليك».
إنطلاقة الثورة
ذكر المؤرخون أنَّ ثورة التوابين انطلقت في مستهل شهر ربيع الأوّل سنة 65 هجرية حيث خرج سليمان بن صرد ليرحل إلى منطقة النخيلة فرأى عسكره فاستقله ولم يرضه العدد الموجود من المقاتلين، فبعث حكيم بن منقذ الكندي والوليد بن حصين الكناني في جماعة وأمرهما بالنداء في الكوفة: «يا لثاراث الحسين» فخرج جمع كثير إلى سليمان وكان معه ستة عشر ألفاً مثبتة في ديوانه، فلم يصل منهم سوى أربعة آلاف حيث تخلف عنه الكثير من الشيعة خصوصاً من المدائنيين والبصريين.
وقيل أن سبب ذلك كون المختار صار يدعو الناس لنفسه ويخذلهم عن سليمان بن صرد وكان يقول لأصحابه أتدرون ما يريد هذا يعني سليمان بن صرد إنما يريد أن يخرج فيقتل نفسه ويقتلكم ليس له بصر بالحروب ولا له علم بها.
زيارة قبر الإمام الحسين
ذكر المؤرخون أن القوم لمّا ساروا في الخامس من ربيع الأوّل نحو دمشق انتهوا إلى قبر الحسين في كربلاء، فلمّا وصلوا صاحوا صيحة واحدة، فما رؤيَ أكثر باكياً من ذلك اليوم، فترحّموا عليه وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال معه وأقاموا عنده يوماً وليلة يبكون ويتضرّعون ويترحّمون عليه وعلى أصحابه وقال سليمان: «اللَّهمّ إنّا نشهدك أنّا على دين حسين وسبيله وأعداء قاتليهم» وقالوا: «الحمد لله الذي لو شاء أكرمنا بالشهادة مع الحسين اللهم اذ حرمتناها معه فلا تحرمناها فيه بعده».
بدء المعركة
عسكر التوابون قبل الالتقاء بجيش الشام في منطقة عين الوردة وأقاموا هناك خمسة أيام فاستراحوا وأراحوا. وكان سليمان بن صرد خلال تلك الأيام يوضح للمقاتلين أصول المعركة وأبعادها كما أرشدهم إلى القائد من بعده قائلا:
- «إن أنا قتلت فأمير الناس المسيب بن نجبة، فإن قتل فالأمير عبد الله بن سعد بن نفيل، فإن قتل فالأمير عبد الله بن وال، فإن قتل فالأمير رفاعة بن شدّاد، رحم الله امرأً صدق ما عاهد الله عليه». ثم دارت معركة طاحنة بين التوابين وبين جيش الشام في الخامس والعشرين من ذي الحجة.
نتيجة المعركة
استمرت المعركة أربعة أيام استشهد خلالها الكثير من التوابين وحوصر الباقون من قبل العدو واستشهد القادة واحداً تلو الآخر وبقي منهم جماعة قليلة بقيادة رفاعة بن شداد البجلي اضطرت إلى الانسحاب من المعركة وساروا إلى الكوفة. وفي أثناء انسحابهم أقبل سعد بن حذيفة بن اليمان في أهل المدائن يريد نصرتهم وجاء المثنى بن مخربة العبدي في أهل البصرة يريد نصرتهم فبلغهم الخبر بانكسار التوابين فأقاموا حتى أتاهم رفاعة فاستقبلوه، وبكى بعضهم إلى بعض وأقاموا يوماً وليلة ثمّ تفرّقوا، فسار كلّ طائفة إلى بلدهم.
ولما بلغ رفاعة الكوفة كان المختار محبوساً، فأرسل إليه:
- «أمّا بعد فمرحباً بالعصبة الذين عظّم الله لهم الأجر حين انصرفوا ورضي فعلهم حين قتلوا، إنّ سليمان قد قضى ما عليه و توفّاه الله… ثم توعد المختار بالأخذ بثأرهم».
علما أن التوابين- وكما يقول الأستاذ محمد حسين جعفري- وإن فشلت ثورتهم ظاهراً وانهزموا أمام الجيش الأموي حسب المعايير العسكرية إلا أنّهم تمكنوا– ولأوّل مرّة- من خلق كيان متجانس من الشيعة كان له الأثر في ترسيخ تاريخ التشيع انطلاقاً من الشعار الذي رفعوه والتفاعل مع كل من روح الثورة الحسينية وقيم الشهادة الحسينية.
زينب بنت خزيمة، (وفاة 4 هـ) من زوجات رسول الله ، والمعروفة بأم المساكين، على قول المشهور أنها كانت زوجة طفيل بن الحارث بن المطلب فطلقها، فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث بن المطلب، فأصيب عبيدة في غزوة بدر.
بعد شهادة زوجها، خطبها رسول الله فجعلت أمرها إليه فتزوجها، وذلك في شهر رمضان عام 3 هـ، ولم تعش مع رسول الله
إلا أشهر معدودات فماتت بعدها وهي في 30 من عمرها، فصلى عليها
صلاة الميت ودفنها في البقيع.
نسبها ولقبها
أبوها: هي زينب بن خزيمة خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية، وينتهي نسبها إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أمها: هند بنت عوف بن زهير بن حماطة من حمير.
لقبها: لقبت زينب بنت خزيمة (أم المساكين)، لكثرة إطعامها المساكين وصدقتها عليهم، وكذلك كانت تلقب به في زمن الجاهلية.
نقل ابن عبد البر قول أبي الحسن الجرجاني النسابة، أنها كانت أخت زوجة رسول الله (ص) ميمونة بنت الحارث لأمها، وقال: «ولم أر ذلك لغيره». وكذلك ذكر ابن حبيب البغدادي أنها أخت ميمونة لأمها.
زواجها من رسول الله (ص)
لقد أختلف المؤرخون في من كان زوج زينب قبل الزواج من رسول الله (ص)، على قول المشهور أنها كانت زوجة طفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فطلقها، فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث بن المطلب، فأصيب عبيدة في غزوة بدر، ومات بالصفراء وهو في سن 64 سنة. ذكر ابن هشام في السيرة النبوية أنها كانت زوجة جهم بن عمرو بن الحارث، وهو ابن عمها، قبل أن تتزوج من عبيدة بن الحارث. وذكر البعض أنها كانت زوجة عبد الله بن جحش الذي استشهد في غزوة أحد.
بعد شهادة زوجها، خطبها رسول الله (ص) فجعلت أمرها إليه فتزوجها، وذلك في شهر رمضان سنة 3 هـ. ويوجد أختلاف في صداقها، بعضهم قال: اثنى عشرة أوقية ونشاً، (النش: النصف من كل شيء) والبعض الآخر قال: أربع مئة درهم.
وفاتها
ماتت بعد زواجها من رسول الله (ص) بثمانية أشهر، وذلك في ربيع الثاني سنة 4 هـ، وذكر بعض المؤرخين أنها عاشت مع رسول الله (ص) شهرين أو ثلاثة وماتت، فصلى عليها النبي (ص) صلاة الميت، ودفنها في البقيع.
كان عمرها حين وفاتها 30 سنة، ولم يمت أحد من أزواجه في حياته (ص) غيرها وغير خديجة (ع) قبلها، وهي أول زوجات رسول الله (ص) تموت في المدينة، ولم يحصل منها على ولد.
ليلة المبيت، هي الليلة التي بات فيها الإمام علي في فراش النبي محمد
بدلاً عنه، وذلك حينما أراد مجموعة من مشركي قريش الهجوم على بيت النبي
من أجل قتله، فبطلب من رسول الله
بات الإمام علي
في فراشه، وبهذه الطريقة لم يحصل المشركون على مبتغاهم في قتل رسول الله
، واستطاع النبي في هذه الليلة الهجرة إلى يثرب، وقد ذكر مجموعة من المفسرين بأن آية الشراء في سورة البقرة نزلت في حق أمير المؤمنين
؛ وذلك تبعاً لفداء نفسه لرسول الله في تلك الليلة. وذكرت المصادر التاريخية إن هذه الحادثة وقعت في الليلة الأولى من ربيع الأول في السنة 13 أو 14 من البعثة.
خطة قتل النبي(ص)
لقد قام زعماء قريش بإيذاء المسلمين واضطهادهم؛ لكي يُرغموهم على ترك الإسلام، وعلى إثر ذلك أمر رسول الله (ص) المسلمين بالهجرة إلى المدينة. وقد توجه المسلمون أيضاً إثر هذا القرار إلى المدينة في عدة مراحل على شكل مجموعات صغيرة، وبصورة سرية بعيداً عن أنظار قريش.
اجتمع جمع من قريش في دار الندوة، للتشاور واتخاذ القرار حول كيفية مواجهة النبي (ص) وإن الشيطان -طبقا لبعض المصادر التاريخية- كان حاضراً معهم في هذه الجلسة على هيئة رجل عجوز يدير الجلسة، ويرشد المشركين برأيه، وقد صدر القرار أخيراً -بعد اقتراح من أبي جهل- على اختيار شاب شجاع من كل قبيلة حتى يداهموا بيت رسول الله (ص) ليلاً ويقتلوه فيه؛ ويتقسم عندئذ دمه بين كل قبائل العرب، عند ذلك لن يكون بمقدور بنو هاشم -وهم أهل النبي (ص) ومن يثأر له- محاربة جميع قبائل قريش، فيضطرون أخيراً للقبول بـالديّة.
نزول الآية واطلاع النبي(ص)
نزل الأمين جبرئيل على رسول الله (ص) بعد قرار وعزم قريش على قتله (ص) ليُطلعه على خطة قريش، وليبلغه حكم الله سبحانه، كما جاء في الآية 30 من سورة الأنفال ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يخُرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرْ الْمَاكِرِين﴾ فقرّر رسول الله (ص) حينئذٍ ترك بيته قبل وصول المشركين متوجهاً إلى يثرب.وقد تلا عند خروجه من البيت آية ﴿وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْديهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُون﴾ ليخفى عن أنظار المشركين الذين كانوا يحاصرون بيته.
أحداث ليلة المبيت
في الليلة الأولى من شهر ربيع الأول، قال النبي محمد (ص) لعلي (ع):
-
- «يا علي (ع)! إن الروح الأمين هبط عليّ يخبرني أن قريشاً اجتمعت على المكر بي وقتلي، وأنه أوصى إليّ عن ربي عز وجلّ أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وأنه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي لتخفي بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل وصانع؟»، فقال علي (ع) «أو تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبي الله؟»، قال: «نعم»، فتبسّم علي (ع) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، فلمّا رفع رأسه قال له: «امض لما أمرت، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكن فيه كمسرتك واقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلّا بالله». ثم ضمّه رسول الله (ص) إلى صدره وبكى إليه وجداً به، وبكى عليّ (ع) جشعاً لفراق رسول الله (ص)، ثم افترقا.
حاصر المشركون بيت النبي (ص) من أول الليل، ليهجموا عليه في منتصف الليل، فقال لهم أبو لهب: يا قوم، إنّ في هذه الدار نساء بني هاشم وبناتهم، ولا تأمن أن تقع يد خاطئة إذا وقعت الصيحة عليهن فيبقى ذلك علينا مسبّة وعاراً إلى آخر الدهر في العرب.
فأغلق الإمام علي أبواب البيت وأسدل الستار، فلما خلقَ الليل وانقطع الأثر أقبل القوم على عليٍّ (ع) قذفاً بالحجارة (ليتأكدوا من حضوره في البيت)، فلا يشكّون أنّه رسول الله (ص)، حتّى إذا برق الفجر، وأشفقوا أن يفضحهم الصبح هجموا على علي (ع) وقد انتضوا السيوف، ووَثبوا إلى الحجرة، وقصدوا الفراش، فوثب علي في وجوههم فقال:«ما شأنكم؟ قالوا له: أين محمد (ص)؟ قال: أجعلتموني عليه رقيباً؟ ألستم قلتم: نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم».
فأقبلوا عليه (ع) يضربونه، ثم أخرجوه من البيت، وحبسوه في المسجد الحرام ساعة من الليل، وضربوه حتى كادوا يقتلونه. ثم توجّهوا نحو المدينة يطلبون النبي (ص).
ويقال عندما كان الإمام علي (ع) في فراش رسول الله (ص)، هبط جبرئيل فجلس عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرئيل يقول:«بخٍّ بخٍّ، مَن مثلك يا ابن أبي طالب! والله عزّ وجلّ يباهي بك الملائكة».
نزول آية في شأن الإمام علي(ع)
يذكر علماء الشيعة والسنة أن الآية: ﴿وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفُ بِالْعِبَاد﴾ نزلت في شأن الإمام علي في حادثة ليلة المبيت.
المأمون العباسي، هو عبد الله أبو العباس (170 – 218 هـ) ابن هارون العباسي، وسابع خلفاء الدولة العباسية. وصلت إليه الخلافة بعد قتل أخيه محمد الأمين سنة 198 هـ، وكانت وفاته في سنة 218 هـ.
نسبه
عبد الله بن هارون، أبو العباس المأمون بالله بن الرشيد بن المهدي بن المنصور. وأمّه أمّ ولد- من بلاد فارس- يقال لها مراجل الباذغيسية.
ولادته ووفاته
ولد المأمون ليلة الجمعة منتصف شهر ربيع الأول سنة 170 للهجرة، وتوفي بالبذندون خارج طرسوس على طريق الروم في 11 رجب سنة 218 للهجرة، وحمل إلى طرسوس، وصلّى عليه أخوه أبو إسحاق المعتصم، ودفن بطرسوس، وكان له يوم مات ثمان وأربعون سنة وثلاثة أشهر.
خلافته
كان الإيرانيون عامّة، والخراسانيون خاصة معروفين بتشيعهم لأهل البيت(ع)، كما أنهم قد سئموا سياسة القمع والقهر التي كان يمارسها والي هارون الرشيد على خراسان علي بن عيسى، ومن هنا مالوا إلى دعم المأمون العباسي في حربه مع أخيه الأمين الذي مال إليه العرب وسكان بغداد، ودعموا حكومته.
وهناك من يرى أنّه بعد أن فرغت يد المأمون من بني أبيه، والبرامكة، والعرب، والعلويين، اضطر أن يلتجئ إلى جهات أخرى لتمد له يد العون والمساعدة، وتكون سلّما لأغراضه، وأداة لتحقيق أهدافه ومآربه. ولم يبق أمامه غير خراسان، فاختارها، كما اختارها محمد بن علي العباسي من قبل. فأظهر لهم الميل الحب، وتقرب إليهم.
وقد تمكن المأمون – سابع الخلفاء العباسيين – وبتخطيط من الفضل بن سهل وقيادة طاهر بن الحسين الملقب بذي اليمينين من الانتصار على قائد جيش الأمين علي بن طاهر سنة 195 هـ وسقوط بغداد على يد طاهر بن الحسين بعد معارك طاحنة جرت بين الطرفين، وتمكنوا من اعتقال الأمين ثم قتله، وبويع للمأمون بالخلافة التي أعلن عنها رسميا في مرو سنة 198 هـ فنصب الفضل بن سهل وزيراً له.
ويذكر أن عبد الله المأمون بن هارون الرشيد بويع في سنة 195 هـ، كما وبايعه عامّة أهل البلدان سنة 196 هـ، فلمّا كان في المحرم سنة 198 هـ، وقتل محمد الأمين، اجتمع عليه أهل البلدان، ولم يبق أحد إلا أعطى طاعته.
وقد كانت حياته حياة جد ونشاط، وتقشف، على العكس من أخيه الأمين، الذي نشأ في كنف زبيدة، فقد كانت حياته حياة نعمة وترف، يميل إلى اللعب والبطالة، أكثر منه إلى الجد والحزم، ويظهر ذلك لكل من راجع تاريخ حياة الأخوين، ولعل سرّ ذلك يعود إلى أن المأمون لم يكن كأخيه، يشعر بأصالة محتده، ولا كان مطمئنا إلى مستقبله، وإلى رضا العباسيين به، بل كان يقطع بعدم رضاهم به خليفة وحاكماً؛ ولهذا فقد وجد أنه ليس لديه أي رصيد يعتمد عليه غير نفسه، فشمرّ عن ساعد الجد، وبدأ يخطط لمستقبله منذ اللحظة الأولى التي أدرك فيها واقعه، والمميزات التي كان يتمتع بها أخوه الأمين عليه.
وقد كان المأمون يستفيد من أخطاء أخيه الأمين، فإن: الفضل عندما رأى اشتغال الأمين باللهو واللعب، أشار على المأمون بإظهار الورع والدين، وحسن السيرة، فأظهر المأمون ذلك.. وكان كلما اعتمد الأمين حركة ناقصة اعتمد المأمون حركة شديدة..
الولاة والأمراء
وجه المأمون المطلب بن عبد الله الخزاعي إلى مصر عاملاً عليها سنة 198 هـ، فأقام سبعة أشهر، ثم ولّى العباس بن موسى بن عيسى الهاشمي مصر سنة 199 هـ، فوجه بابنه عبد الله بن العباس.
وفي سنة 198 هـ وجه المأمون الحسن بن سهل إلى العراق عاملا عليها وعلى غيرها من البلاد.
ولاية العهد
قال المؤرخ اليعقوبي: «وأشخص المأمون الرضا علي بن موسى بن جعفر من المدينة إلى خراسان، وكان رسوله إليه رجاء بن أبي الضحاك، فقدم بغداد، ثم أخذ به على طريق البصرة حتى صار إلى مرو، وبايع له المأمون بولاية العهد من بعده، وكان ذلك يوم الأثنين الـ 27 من شهر رمضان سنة 201 هـ، وألبس الناس الأخضر مكان السواد، وكتب بذلك إلى الآفاق، وأخذت البيعة للرضا (ع)، ودعي له على المنابر، وضربت الدنانير والدراهم باسمه».